التقارير

صور | 150 عامًا على التخطيط للقاهرة الخديوية

كانت بؤرة للأمراض؛ تلال للقمامة والمستنقعات والبرك، ووصفه البعض بأنه عاصمة الباعوض، يتاخم نيل القاهرة القديمة، ويجمع ما يفيض من فيضانه، كانت بركة بطن البقرة أو المقسي أو بركة الأزبكية قبل أن يخططها إسماعيل لتكون قاهرة جديدة مليئة بالقيم المعمارية والعمرانية والاجتماعية والثقافية والإنسانية التي أثْرت حياة المصريين وأثّرت فيهم.

بدأ محمد علي باشا رحلته نحو تحديث هذه المساحة الخربة منذ 200 عام وأتمّها إسماعيل لتتحول مع الوقت لمتحف مفتوح لتاريخ مصر، بعدما دمجت التراث والتاريخ والتحديث في مدينة واحدة.

قبل 150 عامًا كان ميلاد تغير طبيعة مدينة القاهرة، والذي لا ينحصر فقط في عمارتها، ولكن فيما تأسس من حياة جديدة دبت في روح مصر فغيرت أعمالها الاقتصادية والاجتماعية وغيرت معالمها الأثرية والثقافية، مائة وخمسون عام مروا على تخطيط القاهرة الممزوج بالوصفة الهوسمانية والطريقة المصرية في البناء والتشييد والتي لاتخلو من تمصير الفنون وإعادة صياغة الطرز المعمارية بإضافة الرموز والعلامات البارزة في الشخصية المصرية.

تهيئت القاهرة الخديوية وما حولها للمشروع الجديد برفع كافة الأكوام الترابية التي كانت تحيط بالمدينة، وردم البرك، ونقل مدابغ الجلود من باب اللوق إلى مصر القديمة، “المدابغ” هو الاسم القديم لشارع شريف، كما اشترى الخديو إسماعيل “مناخ الجمال” من أملاك أحمد باشا لصالح الحكومة بمبلغ 35900 (شارع المناخ حاليا)، فضلا عن إمداد القاهرة الجديدة بالمياة بتكليف شركة “كورديه” الفرنسية عام 1865، كما ردم الجزء المتخلف من تحويل مجرى النيل شرقاً.

تشكلت رؤية إسماعيل لتخطيط القاهرة أثناء زيارته للمعرض العالمي في باريس، والذي افتتح في الأول من إبريل عام 1867، حيث كانت القاهرة علي موعد مع باريس لتبادل التصورات الهندسية في تخطيط الشوارع والميادين، انفتح إسماعيل على تجرية العمارة الفرنسية على يد هوسمان والتي كانت مواكبة لأعمال تخطيط قاهرته الجديدة، ما أسهم في استكمال المشروع الذي تأخر بسبب ثورة كريت وإنهاء شروط العمالة الخاصة بالقناة وتدعيم الري والزراعة والذي أعطى لهم اسماعيل الأولوية على تخطيط المدينة.

كان المعرض العالمي حدثًا حاولت فرنسا من خلاله إدهاش ضيوفها من خلال المدينة الجديدة التي خططها هاوسمان، وهو ما لفت انتباه الخديو إسماعيل، خاصة وأن مصر تنتظر حدثا عالميا بافتتاح قناة السويس، وهو ما دفعه لطلب تخطيط القاهرة الخديوية على يد البارون هاوسمان، فحدّثه عن حي الإسماعيلية، وأعجب الخديو بفكرة تخطيط الشوارع بـ”النمط الشعاعي” الذي ينطلق من ساحة ميدان وينتهي في ميدان آخر.

عاد إسماعيل وبصحبته اثنين من المهندسين أرسلهم هاوسمان ليساعداه في تخطيط مدينته، “بير جران” مهندس الطرق والكباري، الذي أصبح كبير مهندسي القاهرة، و”باليري ديشان” الذي أنشأ غابة بولونيا في باريس.

كانت خطوات إسماعيل سريعة ودفعه لذلك موعد افتتاح القناة، ففور عودته من باريس أعد تخطيط مدينته، وفي هذا العام كانت بداية تشكيل القاهرة الكلاسيكية التي تحدث عنها “جون لوك أرنو” في كتابه عن القاهرة الحديثة.

بدأ إسماعيل في إقامة الميادين، وكانت بدايتها من ميدان الأزبكية، فأنشأ المسرح الكوميدي الفرنسي في 2 نوفمبر 1867 بالميدان، وشهد العام ذاته بداية تزويد الشوارع بالمصابيح بعد التعاقد مع شركة “ليبون” صاحبة امتياز غاز المصابيح.

سرعان ما بدأت القاهرة تكشف عن إمكاناتها فأنهى إسماعيل خططه وتصوراته في سنوات معدودة، وتزامن افتتاح قناة السويس بافتتاح العديد من المشاريع مثل؛ دار الأوبرا الخديوية وملعب الخيول والسيرك وملعب الجمباز وغيرها الكثير، كما أصدر الخديو إسماعيل أمره لنظارة الأشغال لإعداد المقايسات اللازمة لفتح بعض الشوارع وإنارتها وإمدادها بالمياه.

هكذا أصبحت المدينة التي كتب عنها علماء الحملة الفرنسية أنها بعيدة عن النيل قريبة منه وعبرت ضفته مما دفع العديد من الكتاب لتسميتها “باريس علي ضفاف النيل”، ولكنها ليست باريس فرغم التخطيط الفرنسي للمدينة إلا أنها اكتسبت طابعًا معماريًا فريدًا يجمع بين الإيطالي والفرنسي والعربي والإنجليزي والإسلامي وغيره الكثير من فنون العمارة.

عرف العالم لقب الخديو عام 1867 الذي حصل عليه إسماعيل من الدولة العثمانية بدلًا عن لقب الوالي، وكان يحق له توريث اللقب لأكبر أبنائه، ولكن القاهرة ورثت لقب إسماعيل “القاهرة الخديوية” لتبقى علي مر العصور ذاكرة للاسم.

الوسوم

‫2 تعليقات

  1. تنبيه: Google
  2. تنبيه: Google
إغلاق
إغلاق