التقارير
رحلة تخطيط القاهرة الخديوية .. خمسة مهندسين حولوا البرك لميادين ومتنزهات
رحلة طويلة غيّرت خريطة القاهرة وفرضت نظمًا اجتماعية واقتصادية جديدة على مصر كلها، لاتزال القاهرة شاهدة عليها بما فيها من تخطيط أُسّس لإقامة متحف مفتوح من خلال كنوزه المعمارية.
يرصد “منطقتي” مشروعات تخطيط القاهرة الخديوية من خلال روايات من عاشوها وكتبوا عنها ومن بينهم علي باشا مبارك في كتابه “الخطط التوفيقية” وأيضًا “قاهرة إسماعيل في ميزان التاريخ المعماري” للمعماري سيد كريم، ودري باشا الحكيم في كتابه “تاريخ مصر في عهد إسماعيل”، خمسة مهندسين أحدهم الخديو نفسه كانوا أصحاب اليد الأولى لتأسيس القاهرة الخديوية الجديدة لنتعرّف عليهم.
في باريس وأثناء دراسته ضمن بعثة الأنجال، درس إسماعيل بن إبراهيم باشا الهندسة والطبيعة والرياضيات، وأحب العمارة والتخطيط، وفور توليه الحكم اهتم بتأسيس مدينة عصرية على غرار باريس الجديدة وأشرف على إعمارها بنفسه، وبدأ بأحياء الإسماعيلية والأزبكية، ورغم المحاولات السابقة لإعمار هذه المنطقة إلا أن الخديو إسماعيل يعد المؤسس الحقيقي لها بمحاولاته في نقل تجارب وخبرات المعماريين الفرنسيين لتضم قاهرته الجديدة منشآت ثقافية وخدمية وترفيهية ومتاحف وقصور وتتسع رقعتها السكنية لـ 750 ألف نسمة ، هكذا أرادها وخطط لها فتابع كل مشاريعها بنفسه.
أثناء زيارته لمعرض باريس، أُعجب الخديو إسماعيل بالتخطيط الجديد للمدينة، وطلب إسماعيل أن يلتقي هاوسمان مخطط المدينة، وناقشه في تصوره لمشروعه الجديد “حي الإسماعيلية”، وضع المهندس الفرنسي هاوسمان صاحب مدرسة تنظيم المدن الحديثة إطارًا عامًا لملامح مشروع إسماعيل الذي تطور بما اطّلع عليه من مشاريع أثناء زيارته لفرنسا عام 1867، ورشح هاوسمان للخديو عددًا من المهندسين لمساعدته، وتشكّلت خطة هاوسمان من 7 مشاريع أساسية عرفت باسم برنامج المشروعات السبعة وتضمنت: مشروعًا لتحويل مجرى النيل ليحاكي نهر السين، وعلى أساسه تخطيط منطقة الأزبكية وتحويلها لحي للتنزه والترفيه يضم الحدائق والمسارح. ردم بركة “الفراعين” وتحويلها لحي عابدين وتخطيط الحي كاملًا، كذلك تخطيط منطقة الشاطئ الشرقي والتي تضم حاليًا ميدان باب اللوق وميدان التحرير وطلعت حرب ومنطقة معروف. وتخطيط الشاطئ الغربي للنيل ليمتد من الجيزة إلى إمبابة وبولاق الدكرور وحي العجوزة. كما خطط وهيأ منطقة الزمالك للعمارة بعدما كانت غابات وبرك ومستنقعات. وتخطيط منطقة شمال القاهرة ومداخلها في الفجالة وروض الفرج وشبرا.
حاول الخديو إسماعيل تنفيذ خطته مع هاوسمان على أرض الواقع قبل زيارة ملوك العالم عام 1869 للإحتفال بافتتاح قناة السويس، فأسند مهمة إعداد الرسومات والتخطيط والمتابعة للمهندس علي مبارك، ويقول علي مبارك عن فترة تخطيط القاهرة الخديوية “كنت مشغولاً بالمصالح الأميرية وتنفيذ الأغراض الخديوية ليلاً ونهاراً حتى لا أرى وقتاً ألتفت فيه لأحوالي الخاصة” واحتوت خطة علي مبارك للمدينة الجديدة على العديد من المهام والأعمال لتهيئة القاهرة الجديدة للإعمار، وعام 1868 وضع علي باشا مبارك مشروع تنظيم إدارة المدينة ووضع تقسيمًا إداريًا جديدًا لها ساير فيه مخطط المهندس الفرنسي بيير جران ومن بين ما جاء فيه:
تعمير الأحياء القديمة وإصلاحها وتزويدها بمياه الشرب والغسيل. وإصلاح مداخل القاهرة وإزالة ما يشوبها من خرائب.وتخطيط مناطق جديدة خارج حدود المدينة القديمة.وردم البرك والمستنقعات المنتشرة بالقاهرة.
كما قرر نقل المدافن الواقعة وسط القاهرة وتحويل أماكنها إلى ميادين وأحياء. وزوّد أحياء القاهرة بالمياه الصالحة للشرب. كما جفف الأراضي وأسس مجاري القاهرة.
وشق شوارع واسعة في الأحياء الجديدة وأخرى تخترق الأحياء القديمة وتربط بينها وبين المناطق الرئيسة في المدينة. ورصف طرق المدينة الجديدة والقديمة وحفّها بالأشجار.
إنشاء مباني أساسية للبنية الإدارية للقاهرة منها؛ عامة كدار للكتب، ودار للأوبرا، ومحطات للسكك الحديدية، ومحاكم، وجمعيات علمية.
إعداد البنية التحتية للقاهرة مثل طرق النقل والمواصلات داخل المدينة ورصف الشوارع وربطها بالمدن المجاورة.
كما ربط بين القاهرة والجيزة عبر عددًا من الكباري.
اكتسب بيير جران خبرات عديدة خلال فترة تخطيط باريس ويعد من أبرز المهندسين الذين ساعدوا هاوسمان في مشروعه، وفي القاهرة تولى أعمال البنية التحتية وتخطيط الطرق والكباري، وعين بعد ذلك مديرًا لمصلحة الطرق، وأعد خريطة للقاهرة الخديوية عام 1874 توضح ما تم إنجازه، ومن بين المشروعات التي تولى تخطيطها.
مشروع تطوير منطقة الجزيرة والتي تحددت أبعادها بتحول مجرى النيل، وشملت شارع الجزيرة الحالي وكوبري قصر النيل وكوبري الإنجليز وشارع النيل والجبلاية.
مشروع شق الطرق بالمدينة القديمة وتجديد نسيجها وربطها بالأحياء الجديدة.
مشروع تحويل مجرى النيل بإنشاء حاجز لتحويل إتجاه التيار، وإقامة جسر يمتد إلى إمبابة وانتقل فرع النيل إلى مجراه الحالي وردم الجزء الأكبر من مجراه الأصلي وتحولت تلك المنطقة إلى منطقة الدقي والعجوزة حاليا.
مشروع تطوير منطقة عابدين وتخطيط شوارع عابدين وعبد العزيز وإبراهيم باشا والخديو إسماعيل.
مشروع تطوير المنطقة الشمالية بتخطيط الفجالة والسكاكيني التي كانت تعد أحد أحياء الإسماعيلية.
مشروع رصف الشوارع اللازمة للسير وإضاءة الشوارع بمصابيح الغاز وتوصيل مواسير المياه والتي كلف بها كوردييه بعدما أنشأ شركة المياه بالقاهرة عام 1865.
اشتهر ديشان بشهرة حدائق باريس فهو المهندس المعماري الذي تفوق في التخطيط للمناظر الطبيعية بالمدن، ربما لم يكن له دور كبير في التخطيط للقاهرة الخديوية ولكنه صاحب الفضل في التأسيس لخطط تشجير الشوارع والحدائق الكبرى والتي أضفت طابعا جماليا علي القاهرة الخديوية.
أسند له الخديو إسماعيل مهمة تخطيط وتطوير الأزبكية لتجمع بين جمال الأحياء الفرنسية المحيطة بأوبرا باريس وجمال حدائق غابة بولونيا، وظهرت حديقة الأزبكية سنة 1872 على نمط حدائق باريس، وشمل التخطيط ميادين العتبة الخضراء والأوبرا والخازندار، كما قام بتشجير منطقة الزمالك وتجميل حدائقها.
اهتم الخديوي بقصر الجزيرة وحاول أن يعده بشكل سريع ليقيم فيه ضيوف حفل افتتاح قناة السويس، فكلف المهندس ديشان بتحويل الجزيرة المحاطة بالقصر إلى حديقة أطلق عليها “حديقة النباتات” وكانت تضم آلاف الفصائل المختلفة من النباتات النادرة.
امتدت الحدائق على مساحة 20 هكتارا حول القصر وضمت المساحة: الحديقة الملكية للحيوانات التي ضمت 75 فصيلاً من الحيوانات النادرة تم استقدامها من دول مختلفة من العالم، إضافة إلى “كهف العصافير” الذي شمل 150 نوعاً من الطيور، تم بناؤه باستخدام حجر صخري من الإسكندرية، كما تم تثبيت تمثال يجسد تدفق نهر النيل.
تعليق واحد