التقارير
سلاطين الفول والزيت في وسط البلد!

كتبت: هند الشناوي – تصوير: صديق البخشونجي
على رأس “منيو” الطعام الهائلة والمتنوعة التي تحفل بها وسط البلد، يأتي طبق الفول، ملك ملوك الإفطار، والوجبات الثلاثة أحيانًا بعرباته التي تتميز بها شوارع القاهرة الخديوية، فلا يكاد يخلو شارع أو ميدان من إحداها، رغم توافر المطاعم المتخصصة في تقديم الفول بأنواعه، إلا أنه تظل لـعربة الفول نكهتها الخاصة المرتبطة بطريقة الصنعة والتسوية والتقديم ومشاركة الآخرين، وهنا يبدو صاحب العربة أو “المعلم” مثل “سلطان متوج” يوزع الأطباق على الزبائن بالعدل وفي جدية وحسم!
لا يقتصر زبائن عربات الفول على محدودي الدخل أو البسطاء في القاهرة الخديوية، حيث يقبل عليها مختلف الفئات الاجتماعية، منهم من يقف بنفسه على العربة لتناول فطوره، أو الذى يطلب الوجبة إلى مكتبه داخل مقر عمله إضافة إلى المؤسسات والشركات التي تستدعي صينية الفول “دليفري”.
غير أن امتلاك عربة فول فى وسط البلد ليس سهلا، ويتطلّب إجرائين، أولهما الحصول على ترخيص، حيث كانت العربات تخضع لإشراف «إدارة الأسواق» في الأحياء وهي الجهة المختصة بإصدار التراخيص،ويقول أحد مسؤولي حي عابدين «كل العربات الآن في وسط البلد مخالفة، وتوقف إصدار الترخيص منذ أكتر من 20 عامًا، وكان يصدر بعدة شروط، أهمها أن تكون العربة متحركة وليست ثابتة»، وأوضح أن الحي يتعامل مع تلك العربات على أنها «إشغالات للطريق العام»، ونُظمت حملات دورية للتعامل مع أصحاب عربات الفول معاملة الباعة المتجولين.
أما الإجراء الثانى فيتمثل في الحصول على شهادة صحية للبائعين لا تتجاوز رسومها عشرة جنيهات، حيث يتوجه البائع إلى مكتب الصحة التابع له ليقوم بإجراء التحاليل اللازمة ويتسلم الشهادة بعد 15 يومًا إذا كانا سليما ولا يحمل أمراض، خاصة الفيروسات الكبدية والدرن.
في تقاطع شارعي شامبليون ومحمود بسيوني، كان يقف سعد محمد سيد الشهير بـ”سعد الحرامي” صاحب أشهر عربة لبيع الفول في منطقة وسط البلد، مستقبلا زبائنه بنكات و”قفشات” أصبحت من أهم مميزاته.
يحكي “سعد” قصته مع عربة بيع الفول وأسباب شهرته باسم “الحرامى”، قائلا إنه ولد في قرية صغيرة بمحافظة الوادي الجديد اسمها “القلمون الداخلة”، وبعد حصوله على الإعدادية انتقل إلى القاهرة وعمل فى عدد كبير من المطاعم، حتى انتهى به المطاف الى “مستوقد” تعلم فيه أصول صناعة الفول المدمّس.
وأضاف: بعد أن “شربت الصنعة” صنعت هذه العربة في أوائل الثمانينات، وكلفتنى حينها نحو مئة وخمسين جنيهاً فقط، وعلى مدار عملى صنعت قرابة ثلاثين عربة فول، وكلفتني الأخيرة نحو عشرة آلاف جنيه، موضحًا أن بدايته مع المهنة كانت عام 1982 بميدان “الفوطية” في باب الشعرية، ومنه انتقل إلى 72 باب البحر، ثم قام بتأجير محل فى ممر “أفتر إيت” عام 1996، واضطر لمغادرته عام 2007 بسبب مشاكل قضائية مع المالك، حتى استقر فى مكانه الحالي.
ويتابع “الصدفة كانت حليفتي حين التقيت بالفنان الراحل فريد شوقي على أحد المقاهي ولعبت معه دور “دومينو” وكان الرهان بيننا على عربة الفول، فكسبته في أحد الأدوار بعد أن سرقت منه كارت، وحين علم بذلك كتب على العربة “يا ناس يا عسل.. سعد الحرامي وصل” ومنها جاء لقب “الحرامي”، وبعدها زادت شهرتي بدرجة كبيرة وكانت تتواصل معي قنوات فضائية وصحف عربية وأجنبية.
يبدأ “سعد” العمل من السادسة صباحاً وحتى الثانية عشر ظهرًا، يشتري الفول من منطقة “الساحل” بالطن ويقوم بتسويته في مستوقد خاص، مؤكدًا أن الأسعار بسيطة جداً حيث يتكلف الطلب المكون من فول ومخلل وسلطة وعيش نحو ستة جنيهات.
ويضيف أن هناك طلبات من الشركات تزيد أحيانا عن 40 سندوتش، مؤكدًا أنه رغم ارتفاع سعر المواد الخام بعد تراجع الجنيه امام الدولار في الفترة الأخيرة إلا أن أسعار عربته ثابتة ولا يزيد السندوتش عن جنيه واحد فقط، إضافة إلى إمكانية توصيل الطلبات لأي مكان.
وعن المشاكل التى تواجهه، يقول “سعد” إنه حاول التواصل مع الحي مرات عديدة لاستصدار ترخيص للعمل بشكل رسمي دون جدوى، مشيرًا إلى أنه يعمل معه نحو ستة أفراد منهم حاصلون على مؤهلات عليا ومتوسطة.
في أحد الأركان داخل جراج الأهرام بشارع علوي، تستقر عربة الحاج يوسف مرسي، التي كانت تقف بالقرب من مبنى البورصة بشارع شريف منذ عام 1973، ثم انتقلت إلى داخل الجراج.
يقول الحاج “يوسف” “يعمل معي أولادي، وأمتلك شهادة صحية لكن لم أحصل على ترخيص لأنني موجود داخل أرض مملوكة للأهالي وليس للحي علاقة بها، فهذا الجراج كان ملكاً لجريدة الأهرام واشتراه مقاول أراد تحويله لمبنى سكني ولم يستطع فحوّله لجراج سيارات، ومع ذلك يقوم الحي بمطاردتي بين فترة وأخرى.
ويضيف “أشتري الفول من منطقة الساحل، فالكمية البالغة 50 كيلو تتكلف 1075 جنيهاً، ورغم زيادتها في الفترة الأخيرة، إلا أن أسعارنا لا تزال ثابتة”.
ويوضح أن العربة تضم الفول والطعمية والسلطات بأنواعها ولا يزيد سعر السندوتش الواحد عن جنيه ونصف، مشيرًا إلى أن هناك صينية يطلبها أصحاب المحلات والورش تتكون من فول ومخلل وسلطة ويصل سعرها لستة جنيهات.
تتمركز عربة المعلم حمدى مصطفى فى شارع الفلكى من ناحية شارع صبرى أبو علم, ويحرص صاحبها على تعليق صورة رخصة مزاولة المهنة وشهادة صحية فى مكان بارز.
يقول المعلم “حمدى” انه يعمل في مهنة بيع الفول منذ انتقاله من محافظة الوادى الجديد الى القاهرة عام 1993، موضحا أن بدايته كانت عند الجامعة الأمريكية, ثم انقطع فترة لتأدية الخدمة العسكرية، وبعدها عاد للعمل فى شارع الفلكى حيث تمكن من الحصول على رخصة من الحى وشهادة صحية.
وحول خطوات العمل، يوضح المعلم “حمدى” انه يشترى الفول من التجار في منطقة الساحل حسب الكمية التى يحتاجها سواء بالأردب أو الطن، ثم يقوم بتسويتها وبيعها على العربة, مؤكدا ان الاسعار في متناول الجميع حيث لا يزيد الطلب المكون من عيش وسلطة وبصل وطبق فول عن أربعة جنيهات.
ويضيف المعلم “حمدى” انه يعمل معه يوميا عدد من العمال يتراوح ما بين 6 إلى 8 أفراد حسب ظروف الشغل, مشيرا الى توقف خدمة توصيل الطلبات للمحلات والشركات منذ نحو شهر بسبب قلة عدد “الصنايعية”.
ويؤكد المعلم”حمدى” استمرار العمل كل أيام الأسبوع من الرابعة فجراً حتى الثالثة عصراً ، باستثناء الجمعة والأجازات الرسمية .