
كثيرًا ما تقابل مصريًا يعمل في مهنتين، أو مكان واحد يبيع نوعين من المنتجات أو يقدم خدمتين مختلفتين، لكن من المؤكد أنك نادرًا ما ستجد مكانًا واحدًا يجمع بين كونه صالونًا للحلاقة ومعرضًا للوحات والتحف الفنية في وقت واحد مثل “ركن الفردوس” بشارع عبد الخالق ثروت.

في مدخل المكان ستجد فاترينة كبيرة بها العديد من التحف والعملات الفضية النادرة، ولاعات، علب سجائر معدنية، ميداليات، وحينما تدخل ستجد أرفف عليها العديد من التحف القديمة والفازات، ومكتب الإدارة (الذي كان يجلس عليه عم عزت صاحب المكان والذي توفي منذ عدة أشهر قليلة)، وعلى بعد سنتيمترات بدون أي فاصل ستجد صالون الحلاقة الذي يضم باقة من الصور والبورتريهات المختلفة للحلاقة.

تتوسط هذه الصور ساعة قديمة موجودة منذ افتتاح المحل في الخمسينات من القرن الماضي، وكنبة كبيرة يجلس عليها من ينتظر دوره في الحلاقة وكرسيان للحلاقة، وعلى أحد الأرفف الموجودة فوق المرآة عدد آخر من الفازات.
كان لعم عزت الفضل في نجاح المكان في أداء المهمتين.. الحلاقة وبيع التحف، فكان يذهب يوميًا من العباسية حيث مسكنه، إلى منطقة وسط البلد، مستقلًا مترو الأنفاق، بينما كان يقطع هذه المسافة من قبل بالتروماي الذي كان يستغرق وقتًا أطول.. يجلس في مكتبه من الساعة العاشرة صباحًا وحتى التاسعة مساءً ليتابع حركة البيع الخاصة بالأنتيكات والتحف ويتسلم البراويز من الهواة أو الشركات ليعرضها لديه، كما أنه يبيع بنفسه من هذا المكتب كل المعروضات الموجودة بالمحل، ويتابع أيضًا الجزء الآخر من المكان الذي ورثه عن والده وهو الكوافير الذي يعمل به شخصان.

في عام 1950، قبل ميلاد عم عزت بثلاث سنوات، تم افتتاح المحل الذي قسمته الشركة الإيطالية، وهي الشركة التي قامت ببناء العقار الموجود به المحل، إلى جزئين؛ الجزء الداخلي من المحل كان للحلاقة، والجزء الخارجي منه قرر الأب عم ناجي أن يكون مخصصًا لبيع العطور والكولونيا وأدوات الحلاقة المختلفة، ومع مرور الزمن أصبح الرجل يضيف إلى المكان أشياء جديدة لبيعها، وفي الثمانينات بات التطور أكثر وضوحًا؛ حيث أصبح الجزء الخارجي من المحل مخصصًا لبيع التحف والأنتيكات، وقد انضم عم عزت لمساعدة والده في المحل، ثم تفرغ عقب وفاة والده لإدارة المكان بعد أن حصل على دبلوم تجارة فقط، وفضَّل ألا يعمل في أي وظيفة أخرى، وأن يهب حياته للمكان، حتى توفي في قبل شهر رمضان الماضي.

في “الفردوس” ممنوع الكلام في السياسة، وهذه القاعدة ترجع إلى الخمسينات من القرن الماضي، حيث كان صالون الحلاقة يتمتع بشهرة استثنائية في وسط البلد، وكان زبائنه من الأثرياء والباشوات في تلك الفترة، ومن أشهر من كانوا يترددون على “ركن الفردوس” النحاس باشا، والذي كان يأتي للحلاقة دون الخوض فيأية موضوعات سياسية، وكان يقول لهم أنه لا يتحدث في السياسة إلا بالمجلس.

ظهر صالون الفردوس في إعلان شركة موبينيل في شهر رمضان من العام 2014، وكان هذا الإعلان فرصة جيدة لشهرة المكان، وبعدها شهد تصوير عدة إعلانات وأفلام، آخرها فيلم “نادي الرجال السري” والذي ظهر فيه الفنان كريم عبد العزيز (بطل الفيلم) يجمع أصدقاءه في الطابق السفلي داخل صالون الفردوس، ليعقد اجتماعات معهم في هذا المكان السري ويدبر خططًا لمن يريد خيانة زوجته دون أن تكشفه.