التقارير
في ذكرى ميلاده.. “منطقتي” تكشف أسرار وحكايات جديدة لنجيب الريحاني في عمارة الإيموبيليا
كان يجيد طبخ الأرز والملوخية.. ولَعِب الكوتشينة مع ليلى مراد.. استقبل زوجته الألمانية "لوسي" سرًا في الإيموبيليا باعتبارها إحدى قريبات زوجة ابن عمه
تحل غدًا الإثنين الذكرى ال 130 لميلاد نجيب الريحاني زعيم المسرح الفكاهي، وأحد أبرز رُواد المسرح والسينما في الوطن العربي.
حياة الريحاني كانت مليئة بالحكايات التي لم يعرفها الكثيرين، وخاصة تلك المتعلقة بالفترة التي قضاها في منطقة وسط البلد.. في السطور التالية نستعرض لكم جزءًا من تلك الحكايات.
قصيرة هي المدة التي قضاها نجيب الريحاني زعيم المسرح الفكاهي في وسط البلد وتحديدًا في عمارة الإيموبيليا، فرغم شهرة العمارة بسُكناها من نجوم الفن الذين تتعدد حكاياتهم، إلا إن حكايات الريحاني داخل العمارة كانت تمتلئ بالكثير من المفاجآت، ولسوء حظه لم تتبق له ذكرى داخل العمارة تُخلد تاريخه العريق سوى لافتة وضعتها ابنته على مدخل الإيموبيليا.
نجيب الريحاني ولد في منطقة باب الشعرية في منتصف يناير عام 1889 لأب عراقي يدعى “إلياس ريحانة”، كان يعمل بتجارة الخيل، فاستقر به الحال في القاهرة، ليتزوج من امرأة مصرية قبطية أنجب منها ثلاثة أبناء منهم نجيب.
تلقى نجيب تعليمه في مدرسة “الفرير” الفرنسية”، وفيها تجلت موهبته التمثيلية المبكرة، فانضم إلى فريق التمثيل المدرسي، واشتهر بين معلميه بقدرته على إلقاء الشعر. وبعد إتمام دراسته، عمل موظفًا بسيطًا في شركة لإنتاج السكر في صعيد مصر، وعاش لِفترةٍ مُتنقلًا بين القاهرة والصعيد.
شكلت فترة إقامته في وسط البلد منذ منتصف الأربعينات نقلة هامة في حياته على كل الأصعدة، بدأت مع استقراره في عمارة الإيموبيليا، إحدى أكبر عمارات وسط البلد، والتي شهدت اتفاقات فيما بينه وبين عدد الفنانين من سكان العمارة على العديد من الأعمال السينمائية، أبرزها اتفاقه مع الفنانة ليلى مراد على تصوير فيلم “غزل البنات” حين التقيا بالمصادفة في مصعد العمارة.
قبل مجيء الريحاني إلى عمارة الإيموبيليا تنقل للسكن من “بنسيون” إلى آخر في منطقة وسط البلد، حتى جاء عام 1940 ليقرأ إعلانًا ترويجيًا لشقق سكنية بعمارة الإيموبيليا الجديدة بشارع شريف، تضمن الإعلان إمكانية تأجير شقة سكنية مع إعفاء الساكن من دفع الإيجار مدة الثلاثة شهور الأولى تبدأ من لحظة توقيع عقد الإيجار، وسرعان ما تقدم الريحاني لاستئجار شقة سكنية فاخرة حملت الرقم 327، ولأنها لم تكن مطلة على الشارع الرئيسي ولا تدخلها أشعة الشمس لتنيرها، فقد تخلى عن تلك الشقة ذات الأربعة حجرات، ليستأجر شقة أخرى رقم 321 بالجناح الأيمن بالإيموبيليا تضم ثلاث حجرات فقط، إلا إنه وجد الراحة بها.. سنوات قصيرة وحكايات طويلة عاشها الريحاني في عمارة الإيموبيليا ترويها ابنته جينا من زوجته الألمانية الأصل لوسي.
تقول جينا: “قضى نجيب الريحاني فترة قصيرة في الإيموبيليا، حيث كان من أوائل الفنانين الذين سكنوا العمارة، واختار في البداية شقة سكنية كبيرة بالجناح الأيسر إلا إنه لم يجد راحته بها، فتنقل للعيش في شقة أصغر، وهي تلك الشقة التي تحمل رقم 321 بجناح العمارة الأيمن، والتي دارت فيها الكثير من الأحداث، أبرزها حين تزوج من والدتي لوسي، لم نكن نستطيع زيارته بحرية، حيث كان يخفي زواجه منها، وظل زواجهما سرًا لفترة طويلة، فكنت أقوم بزيارته سرًا أنا ووالدتي مع ابن شقيقه بديع توفيق الريحاني، الذي كان متزوجًا من فتاة إنجليزية فكانت ملامحنا متشابهة معها، ولم يشك أحد في قرابتنا لها”.
“يوم الأحد هو اليوم الذي نجتمع فيه داخل شقة الريحاني، ومن طقوسه طبخ الأرز على “الوابور” وهو من علَّمني طبخ الملوخية، ولكني لم أحبها مطلقًا وكنت أكلها من أجله، وكان لدى نجيب اثنين من الخدم هم عبده وكريستينا اليونانية الأصل وكانت تساعده في إعداد المحشي الذي أحببته كثيرًا”.
وتتابع: “ما أتذكره من ذكريات الريحاني في عمارة الإيموبيليا إنه كان يجلس بعد وقت الظهيرة مع الراحل محمد عبد الوهاب في حديقة كبيرة كانت تتوسط عمارة الإيموبيليا قديمًا، وحكى لي ابن عمي إن ليلى مراد كانت تلعب الكوتشينة مع نجيب، وكانت تأتي سيدة تدعى “فيكتورين” وهي صديقة قديمة للريحاني، كانت تأتي لزيارته كل فترة”.
توفي نجيب الريحاني عام 1949، إلا إن مصير مقتنياته كان محزنًا، تقول ابنته جينا: “”بعد وفاة الريحاني بفترة قصيرة جاء أخوه يوسف ليستقر في شقة الإيموبيليا حتى توفي عام 1961، بعدها قرر ابن عمي بيع مقتنيات نجيب الريحاني في مزاد علني، فبيعت جميعها بثمن بخس لم يتعدَّ الأربعة جنيهات، منها الأجهزة الكهربائية وأدوات المطبخ والأثاث، وقيل لي فيما بعد إنه باع تلك المقتنيات لتسديد ضرائب قيمتها تصل إلى أربعمائة جنيه”.
وتتابع: ” بعد وفاة يوسف فكرت في استئجار الشقة، لتبقى لديَّ ذكرى لوالدي، إلا إن الأمر كان مكلفًا للغاية، حيث كان علي دفع “خلّو” بمبلغ ثلاثة ألاف جنيه ثمن المتر الواحد بإجمالي نحو 300 ألف جنيه لمساحة الشقة البالغة مائة متر، فقط حتى أحصل على حق استئجار الشقة، ولم يكن هذا المبلغ متاح لديَّ حينها، وما أحتفظ به حاليًا هو الكرسي الذي كان يجلس عليه الريحاني في المسرح ليضع الماكياج”.
وعن الوضع الحالي لشقة الريحاني بالإيموبيليا تقول جينا: “منذ وفاة يوسف أخوه عام 1961، وعدم استطاعتي دفع مبلغ لاستئجار الشقة، كنت دائمًا ما أتردد على العمارة لأطمئن على الوضع الحالي لها، فعلمت أن أحد الأطباء قام باستئجارها، بعدها استأجرها محامي، وبعده استأجرتها شركة محاماة كويتية، وخلال تلك الفترة منذ عدة سنوات طلبت من صاحب الشركة أن يسمح لي بوضع صور للريحاني داخل المكتب تخليدًا لذكراه، ووافق صاحب الشركة على الفور، إلى أن تركت الشركة الشقة وآلت ملكيتها مؤخرًا إلى شركة الشمس للتطوير العقاري والتي حولتها لمخزن”.
ما أطمح إليه هو تخليد ذكرى نجيب الريحاني، وأسعى دائمًا لفعل هذا، حيث قمت بتعليق لافتة منذ نحو عشر سنوات على باب العمارة ذكرت فيها إنه عاش هنا منذ عام 1940، ولكن بعد بيع مقتنياته أتمنى لو أن أحدًا لديه أية متعلقات له أن يرسلها لي، كما أتمنى تحويل شقته لمتحف صغير ليكون شاهدًا ومخلدًا لتاريخه.