التقارير

كوبرى قصر النيل.. أبو السباع العابر للأزمان

لسنوات طويلة ستظل صورة آلاف الثوار على كوبرى قصر النيل يوم 28 يناير 2011 حاضرة فى ذاكرة العالم، مخيبة لظنونه فى انتهاء عصر الجماهير والملاحم الكبرى. ستجاور الصورة بعنفوانها الشجاع فى ألبوم التاريخ صور انهيار حائط برلين وعبور خط بارليف وغيرها من الصور التى سجلت لحظات نادرة تصل بين زمنين أو عالمين، تماما مثل كوبرى قصر النيل نفسه الذى يصل بين ضفتى النهر، جسرا بين مسافات وأزمنة مختلفة.

لكوبرى قصر النيل حكاية طويلة.. لما كان العام 1869 والخديو إسماعيل فى فورة حماسته لتخطيط عاصمة حديثة على غرار مدن أوروبا التى انبهر بها فى زياراته الخارجية، قرر بناء سراى الجزيرة الزمالك حاليا، ولربطها بالضفة الأخرى من النيل حيث عابدين مقر الحكم مرورا بميدان الإسماعيلية التحرير الآن، أمر الخديو ببناء جسر على النهر يعبره البشر والدواب، وتمر من تحته المراكب الشراعية المحملة بالبضائع فى طريق من الصعيد للدلتا والعكس، وأسند الخديو المنبهر بجمال باريس أعمال البناء إلى شركة  “فيف- ليل” الفرنسية، وبلغت تكلفة المشروع نحو مليونى و750 ألف فرنك فرنسى أو ما يعادل 108 آلاف جنيه مصر آنذاك، و سمى الجسر بكوبرى قصر النيل نسبة إلى “قصر النيل” الذى شيده محمد على لابنته زينب على الضفة الأخرى من النهر. استغرق البناء قرابة ثلاث سنوات وبلغ طول الكوبرى 406 أمتار وعرضه عشرة أمتار ونصف، كان الكوبرى مكونًا من 8 أجزاء، منها جزء متحرك من ناحية ميدان الإسماعيلية طوله 64 مترًا لعبور المراكب والسفن الشراعية الصغيرة يتم فتحه يدوياً من خلال تروس، بالإضافة إلى جزأين نهائيين بطول 46 متر و5 أجزاء متوسطة، طول كل منها 50 مترا.

كعادة كل مبان عصره، التى اهتم فيها الخديو إسماعيل بالفخامة واللمسة الإمبراطورية مازالت آثارها باقية فى العمارات الخديوية بوسط البلد، طلب وضع تماثيل هائلة على بداية ونهاية الجسر، وكلف الخديو إسماعيل شريف باشا ناظر الداخلية فى أبريل 1871 بالاتصال بالخواجة جاك مار لعمل أربعة تماثيل لأسود أفريقية واقترح “مار” أن تكون التماثيل متوسطة الحجم، وكلف بدوره لجنة مكونة من المثَّال أوجين جليوم والمصور جان ليون، لتتولى مهمة الإشراف على صناعة التماثيل، وخصص لها مبلغا قيمته 198 ألف فرنك. تم تصنيع التماثيل من البرونز فى فرنسا، ونقلت إلى الإسكندرية ومنها إلى موضعها الحالى على مداخل الكوبرى، وبعد افتتاح الكوبرى بأسوده الأربعة انتشر بين العامة اسم “أبو السباع” كتسمية شعبية للكوبرى ومنها اتسع الاسم الجديد ليطال الخديو نفسه الذى لقبه المصريون باسم أبو السباع، حتى صار كل من يحمل اسم إسماعيل أبا للسباع losartan dosage.

فى منتصف عشرينات القرن الماضى، ومع ظهور السيارات لم يعد كوبرى قصر النيل ببنائه القديم قادرًا على استيعاب حركة  العربات الجديدة. فبدأت وزارة الأشغال العمومية آنذاك دراسة توسيع الكوبرى أو إنشاء جسر جديد يواكب التطور ويحمى كوبرى قصر النيل من الانهيار فأمر الملك فؤاد بإعادة بنائه مرة أخرى وتوسعته واختيرت شركة “درمان لونج”، وهى شركة إنجليزية شهيرة قامت ببناء جسر سيدنى فى نفس الفترة تقريباً، لتنفيذ المشروع عام 1931، فقامت بمضاعفة عرض الكوبرى إلى عشرين متراً بتكلفة بلغت حوالى 292 ألف جنيه آنذاك، وانتهى العمل به عام 1933، وأطلق عليه بعد التجديد اسم كوبرى الخديو إسماعيل تخليداً لذكرى والد الملك فؤاد الأول الذى قام بافتتاح الكوبرى بنفسه. ولم يستمر الاسم طويلا فقامت ثورة يوليو 1952 وعاد الكوبرى إلى اسمه القديم.. كوبرى قصر النيل.

منذ ذلك التاريخ صار الكوبرى أحد أهم شرايين القاهرة التى تربطه بجزيرة الزمالك. وخلال السنوات التالية شهد الكوبرى أحداثًا لا تُنسى؛ منها حادث تعرض له الملك فاروق بسيارته مع لورى تابع للجيش البريطانى تعامل سائقه بوقاحة مع ملك مصر. كما شهد حادث السيارة الشهير الذى تعرض له احمد حسانين رئيس الديوان الملكى فى عهد فاروق الأول. وكانت هناك الكثير من الإشارات بأن هذا الحادث مدبر من الملك فاروق للتخلص من حسانين بسبب علاقته بالملكة نازلى والدة فاروق.

هذه الأيام ينتظر افتتاح كوبرى قصر النيل بعد الترميم والتجديد، حيث يجرى التجهيز لافتتاحه نهاية يناير الجاري بعد نحو 7 شهور من الترميم التجميل.

الوسوم
إغلاق
إغلاق