التقارير
مثلث البورصة.. هكذا يتم إهدار إمكانيات وسط البلد!
الممرات قابلة للاستثمار كساحة للمطاعم والمقاهي
أو منطقة متاحف صغيرة أو فى إقامة مهرجانات فنية وثقافية
فى نهاية أكتوبر 2015، امتلأ شارع علوى فى وسط البلد بعشرات الصحفيين والمصورين ومراسلوا القنوات الفضائية، تبعهم لجنة رسمية تضم مسؤولين بوزارة الثقافة، ومع غروب اليوم انضم إلى الجمع أمين شرطة من قسم عابدين ومقتنوا تحف وعاملون بدور نشر كبرى، كلهم قصدوا “علوى” بحثا عن آثار الأديبة اللبنانية الراحلة مى زيادة، التى قيل أن أحدهم وجد مقتنيات نادرة لها سيقوم ببيعها فى جلسة مزاد مغلق، لكن هؤلاء جميعا لم يجدوا مزادا ولا آثاراـ فغادورا الشارع مع ساعات الليل الأول، كل إلى مكانه! (اقرأ أيضا: هكذا وجدنا شقق”ميّ زيادة” الأربعة في وسط البلد )
كان هذا الجمع، هو آخر من مر بالشارع الهادئ قبل أن يتركه مرة أخرى غارقا فى ظلامه. أما الشارع –علوى- فهو واحد من أبرز شوارع “البورصة” المنطقة التى كانت تعج قبل شهور قليلة من خبر المزاد الكاذب بعشرات المقاهى (حوالى 35 مقهى)الساهرة حتى الصباح، تجاورها مطاعم صغيرة، وحركة دائمة لا تتوقف إلا سويعات بداية النهار، غير أن محافظة القاهرة أنهت هذا كله فى شهر مارس من العام الماضى بحملة أمنية مكبرة، أغلقت المقاهى تماما وقطعت المرافق عن المحلات لئلا تعود إلى نشاطها غير المرخص كما يؤكد المسؤولون بحى عابدين.
حسنا. وسط البلد ليست منطقة واحدة، بل عدة مناطق لكل منها طابعها الخاص.. منطقة التوفيقية، منطقة الإسعاف، منطقة باب اللوق، منطقة طلعت حرب، ومنطقة البورصة بالطبع، وهى عبارة عن مثلث رأسه عند ميدان طلعت حرب، وضلعيه شارعى قصر النيل وصبرى أبو علم، وقاعدته شارع شريف الذى يشكل مع شارع “شريف الصغير” واحدا من “الشريفين” الشارع الذى يقطع بدوره المثلث، وداخل هذا المثلث شوارع أخرى مغلقة كممرات للمشاة، هى شوارع الشريفين، وشريف الصغير، وأبو بكر خيرت، وعلوى، والقاضى الفاضل، وشارع البنك الأهلى، وفى داخل المنطقة المثلثة إلى جوار مبنى البورصة وقاعة التداول التاريخية التى تحولت الآن إلى متحف، ومبنى الإذاعة المصرية، ومقر مكتب العمال التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومدخل عمارة البنك المركزى المصرى، ومداخل المقر الرئيسى للبنك الأهلى، وفندق الكوزموبوليتان المغلق حاليا للتجديد، والعديد من العمارات ذات الطابع المعمارى المتميز من بينها عمارة الدكتور محمد باشا علوى الطبيب مؤسس طب العيون والذى كان سببا فى إنقاذ المصريين من العمى الذى كانت منتشرا جدا فى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات العشرين، وله أيضا يعود الفضل فى إنشاء جامعة القاهرة حيث أقنع الأميرة فاطمة ابنة الخديوى إسماعيل بالتبرع لتأسيس الجامعة.
وبين هذه المبانى وحولها عشرات الأنشطة الصغيرة المتنوعة.. صالونات حلاقة، ومكتبة “الكتب خان” ومطعما يعد من علامات وسط البلد، ومطبعتين صغيرتين، ومحل للسجاد اليدوى، وفندقين، ومرسما لفنان كبير هو محمد عبلة، وغيرها، لكن هذا كله يغرق فى ظلام دامس وهدوء “سخيف” ينعى الإمكانات المهدرة للمثلث المدهش. نحن نتحدث هنا عن شبكة من ممرات المشاة “المبلطة” والممنوع سير العربات فيها، وهى مكان مثالى لمقاهى “الترتوار” على غرار مقاهى باريس وروما أو مقاهى منطقة”الألفى” بالتوفيقية إذا أردنا أن نبقى قريبين ولا نذهب إلى أوروبا! ليس المقاهى وحدها، هناك عشرات المحال الصغيرة المغلقة الآن يمكن فتح بازارات مختلفة لعرض وبيع المنتجات اليدوية والتذكارات السياحية، أو الاستفادة من كون المنطقة غير سكنية فى إقامة مهرجانات فنية أو معارض أسبوعية للكتب فى أيام معينة، أو إقامة متاحف تذكارية صغير وتنظيم جولات يتعرف المشاركون فيها على شخصيات من سكنوا المنطقة، أو مروا بها أو حملت شوارعها أسماؤهم.. الدكتور علوى، ومى زيادة، وموسى قطاوى باشا عميد اليهود المصريين والرأسمالى المعروف، والموسيقار المعروف أبو بكر خيرت، لتنضم هذه المتاحف الصغيرة إلى متحف البورصة ويصبح المثلث منطقة متاحف.
عشرات الأفكار والاقتراحات التى يمكن أن تستوعبها المنطقة التى تركت نهبا للإهمال والفوضى بعد إغلاق المقاهى. صحيح أن الأخيرة كانت إلى جوار النشاط الذى تضفيه على المنطقة مصدرا للإزعاج والفوضى، لكن هذا كان يمكن استيعابه وتنظيمه على غرار ما هو حاصل فعليا فى مناطق أخرى.لمثلث البورصة عدة أسماء، منطقة البورصة، والشريفين، وممرات البنك المركزى، واسما آخر أطلقه سكان المنطقة القدامى عليها هو “مثلث طلعت حماد” نسبة إلى طلعت حماد وزير شئون مجلس الوزراء والمتابعة، والرجل الأقوى فى حكومة كمال الجنزورى الذى يقال إنه صاحب قرار إلاق شوارع منطقة البورصة أمام السيارات وتحويلها إلى ممرات مشاة، غير أن هذه الأسماء لم يعد يطلقها أحد الآن على المثلث، فقد تحول اسمه نتيجة وضعه الحالى إلى “الحتة الضلمة”!