التقارير
ممر الشواربي.. فوضى عارمة بعد التجديد
مع غزو عمرو بن العاص لمصر، جاء مع العرب رجل يدعى الشواربي من قبيلة جرهم الحجازية، واستوطن بمنطقة شُبرا وانتقل بعدها وعائلته إلى قليوب، وبعد نحو أربعمئة عام وفي فترة حكم المماليك، جمعت صدفة طيبة أبناء عائلة الشواربي بالأمير المملوكي الظاهر بيبرس، حيث حل الظاهر بيبرس ضيفًا على آل الشواربي ليلة كاملة دون أن يعرفوا شخصيته، وفي الصباح ترك بيبرس صرة من الأموال أسفل وسادته جزاء ضيافته بالمنزل، إلا أن أحد أبناء الشواربي لحقه وأعطاه أمواله، وهنا نشأت صداقة بين بيت الشواربي والأمير المملوكي الذي منحهم منطقة “قصبة قليوب” ملكًا لهم، فازدادت وجاهتهم وثروتهم، وجاء من نسلهم عدد من وجهاء المجتمع والسياسة والاقتصاد؛ منهم محمد باشا الشواربي السياسي المصري الذي عُيّن عضوا بمجلس النواب المصري سنة 1882، وبعدها عُين عضوًا بمجلس الشيوخ وبعدها وكيلًا للمجلس، وعلى اسمه يوجد واحد من أشهر شوارع وسط البلد، ويصل بين شارعي قصر النيل وعبد الخالق ثروت.
“الشواربي” فوضى ثم تطوير.. ففوضى
شارع “الشواربي” واحد من أهم الممرات التجارية بمنطقة وسط البلد، حيث ارتبط اسمه ببداية مرحلة جديدة عرفتها مصر في السبعينيات مع عصر الانفتاح هي مرحلة “الجينز” والملابس المستوردة ذات الطابع الغربي، التي لم تكن متوافرة خلال عقدي الخمسينات والستينات حتى أنه أطلق عليه وقتها اسم “مملكة الجينز”، ولكن تبدل الحال فى بداية التسعينات، حيث احتل الباعة المتجولون أرصفة الممر وافترشوا بضائعهم عليها، واختفت الملابس والبارفانات من الماركات العالمية الأصلية، وحلت محلها البضائع الصينية والمقلدة، ولكن مع ذلك فإن حركة البيع والشراء كانت لا تزال رائجة إلى حد كبير، واستمر الحال هكذا فترة طويلة.
عقب انتهاء تلك التجديدات، عاد الوضع كما كان فى السابق بل إلى أسوأ، فالمقاعد الحجرية التي تم تثبيتها في منتصف الشواربي لتكون استراحة للمارة، احتلها أصحاب المحال، وافترشوا البضائع عليها، ورغم مرور دوريات الشرطة ثلاث مرات يوميا على الأقل لإزالة الإشغالات من بضائع وغيرها، إلا إن أصحاب المحال يعاودون فرشها بمنتصف الطريق مرة أخرى، فضلًا عن عشرات من “المحازّين” الوظيفة الجديدة التي انتشرت حول محال وسط البلد، حيث يقف شاب إلى جوار المحل مهمته اجتذاب الزبائن لزيارة المحل.
لدى أصحاب المحال وجهة نظر خاصة حول هذا الموضوع. يقول “وليد عبد الله” صاحب محل ملابس حريمي بممر الشواربي “إن الوضع الاقتصادى اختلف كثيرًا عما كان قبل ثورة يناير 2011، فالركود الحالي في حركة البيع والشراء دفع عدد كبير من أصحاب المحال للتسويق لبضائعهم المختفية داخل المحال الصغيرة التي لم يعد يأتي إليها الزبائن، من خلال استغلال المقاعد الحجرية لافتراش البضائع عليها، ومحاولة جذب الزبائن بأي طريقة، ثم إن تطوير الممر لم يؤثر سوى في شكل وتنظيم ونظافة الممر، ولكن ما الفائدة الاقتصادية التي عادت علينا؟!
ويضيف “كنت أفترش البضاعة في أول الممر قبل تطويره، وبعد انتهاء التطوير، عدت لافتراشها أمام المحل، ليس أمامنا حل سوى ذلك، فالأسعار تزداد يوميا، فمثلا في الأسبوع الماضي اشتريت دستة من “البديهات” بسعر 210 جنيها، واليوم اشتريتها بـ 360 جنيهًا، وفي مقابل ذلك ليس هناك مشترون، لذا اضطر إلى تسويق البضاعة بأي وسيلة”.
في أعقاب ثورة 25 يناير، عادت الفوضى مرة أخرى، وانتشر الباعة المتجولون بأرجاء الممر، حتى أنه لم يعد هناك موطئ لقدم، ناهيك عن الأرضيات المتكسرة والظلام الدامس ليلا والإعلانات التي شوهت المنظر العام.
في خطوة لإعادة تنظيم “الشواربى” وعودة الحياة إليه مرة أخرى، قررت محافظة القاهرة نهاية فبراير الماضي تطوير الممر ضمن أعمال المرحلة الثانية من مشروع إعادة إحياء وتطوير القاهرة الخديوية، والتي بلغت تكلفتها نحو 85 مليون جنيه بتمويل من عدة بنوك، وشملت خطة التطوير رفع كفاءة الممر وإظهاره في صورة أفضل بترميم واجهات العمارات التراثية، وإزالة اللافتات وأعمال الديكور والإعلانات المشوهة للشارع، بالإضافة إلى تبليط الأرضيات لتكون ملائمة لحركة المشاة، وتركيب وحدات إضاءة جديدة، ومقاعد رخامية للجلوس في منتصف الشارع.
أما عمرو إمام، يعمل “محازّي” بالممر، حيث يقف في منتصف “الشواربي” في محاولة لإقناع المارة بالشراء من المحل الذي يعمل به، يقول عمرو -24 عاما “إن حركة البيع الآن ليست رائجة كما كانت في السابق، ما اضطر الكثير من أصحاب المحال لافتراش بضائعهم على المقاعد الحجرية، وهو أمر بديهي، ولا أحد يمكنه منع ذلك تماما، ثم إن “الستاندات” في منتصف الممر موجودة منذ فترة طويلة وهي تساعد في ترويج البضاعة بشكل كبير”.
وعن عمله كـ”محازّي” يشير عمرو إلى أنه لم يجد بديلًا لتلك المهنة، فبعد حصوله على دبلوم الصناعة بحث كثيرًا عن فرصة عمل، وفي نهاية المطاف قرر العمل “محازّى” حيث يتقاضى أجره باليومية، بالإضافة لذلك فما عليه سوى محاولة اجتذاب الزبائن للمحل، وفي رأيه فإن جذب الزبائن يحتاج إلى أسلوب مرن في التعامل، لكي لا ينفر الناس منه، فالزبون الذي لا يدخل المحل من المرة الأولى، ربما يدخل في المرة الثانية، وهذا يعتمد على ذوق واحترام “المحازّي”.
ويلتقط أطراف الحديث “أحمد ممدوح” الذي يعمل “محازى” أيضا، ليقول إن الظروف الاقتصادية السيئة هي التي دعته للعمل “محازّي”، ثم إن مشروع تطوير الممر كان يشمل تثبيت أكشاك للباعة، وهو ما لم يحدث، ولو تم توفير تلك الأكشاك بأسعار مناسبة فسيقوم باستئجار أحدها وترك عمله الحالي. ويتابع “أسلوب جذب الزبائن به نوع من المضايقات، ولكن ده أكل عيشنا”.
فيما يقوم “أحمد عفيفي” مدير محل “خطر” للملابس، بالترويج للمحل بنفسه دون افتراش البضائع على المقاعد الحجرية، حيث يقول “طالما هناك احترام للزبائن فليست هناك مشكلة في الترويج للمحل ومحاولة إقناع المارة بالشراء منه”. ويضيف “هنا في ممر الشواربى يتواجد نحو مئتي محل، ولو قام كل محل منهم بافتراش بضاعته بالخارج لانتشرت الفوضى بشكل كبير، وهذا الأمر نرفضه تماما، وقمنا بمنع افتراش المقاعد أمام المحل نهائيًا”.