التقارير
MARCHE DE CAIRE تعرف على قصة أول سوق حضاري في القاهرة
أيقن الخديو توفيق أن القاهرة الخديوية بحاجة لسوق عصري كبير يوافق في تصميمه خط تنظيم شوارع القاهرة، وتواكب عمارته الطرز المعمارية الحديثة، وبالبحث بالخرائط وبخاصة خريطة “جران بك”، التي أعدت أثناء تخطيطه للقاهرة الخديوية وُجدت ساحة فضاء مناسبة لإقامة السوق ولكن أين هذا السوق الآن وما هي قصته؟
“منطقتي” يسلط الضوء على أول سوق حضاري بالقاهرة الخديوية الذي بني عام 1886، وتم الانتهاء من كافة أعمال التصميم والتجهيز الخاصة به عام 1892، ربما تاه السوق وسط زحام منطقة العتبة، وخلال رحلة تتبع قصة السوق صادفنا أبحاث وملفات عنه بالمعهد الفرنسي للآثار الشرقية، وبأرشيف المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، نعرض خلال هذا التقرير أبرز ما جاء فيها.
اختيار المكان .. العتبة
في المنطقة الفاصلة بين القاهرة الفاطمية والمملوكية والقاهرة الخديوية وقع الاختيار على موقع السوق. بقلب القاهرة التجاري بجوار حي الأزبكية مدينة الترفيه والثقافة التي تضم دار الأوبرا والمسرح والسيرك والحدائق والملاعب، عُرف السوق باسم MARCHE DE CAIRE ومع الوقت اشتهر بالسلع الموجودة بداخله فأطلق عليه اسم سوق الخضار وسُجّل كمبنى ذي طراز معماري مميز.
الموقع ..المناصرة
بالقرن التاسع عشر ضم موقع السوق مقبرة كبيرة، ذكرت باسم “ترب المناصره ” بكتاب وصف مصر، وخطط علي مبارك التوفيقية، فكانت تستقبل الموتى واليوم انقلبت الآية وباتت تستقبل كل المقبلين على الدخول لدنيا جديدة وبدء الحياة الزوجية.
أعمال التخطيط الهندسي
بعدما علمت بنية الخديو توفيق لبناء السوق سارعت شركة “إخوان سوارس” بإعداد مخطط للسوق ليكون لها الأولوية في إنشائه، ولكن نظارة الأشغال رفضت المشروع وكلفت المهندس جران بك مدير عموم المدن والمباني الأميرية، وفرانس باشا نائب مصلحة الأوقاف بإعداد تصور لإنشاء سوق عصري، وقام منكريـف بك وكيل نظارة الأوقاف بدراسة المشاريع المقدمة وأسند مهمة البناء للمقاول شـنتونـز بك الذي أنجز بنائه وتغطيته بسـقف معدني.
التكلفة والتصميم
راعى المهندسان تصميم السوق بشكل عصري؛ وبخاصة جران بك الذي اهتم بالإضاءة والتهوية وتوصيل المياه والغاز وتبليط أرضية السوق وتسقيف شوارعه، فضلا عن مكاتب الإدارة والمراحيض والدرابزين الحديدي، واعتمدت نظارة الأشغال مشروع الإنشاء بمبلغ 51000 جنيهًا.
السوق من الداخل
يتكون مبنى السوق من الداخل من شارعين رئيسين يتوسطان المبنى، ويعلوه سقف معدني مخروطي يبرز منه فانوس للإضاءة، ويغطي كل شارع في السوق سقف معدني جمالوني محمول على قوائم معدنية ترتكز على الجدران الحجرية.
ويتفرع من الشارعين الرئيسين إثنتا عشرة حارة يعلوها أسقف مقببة؛ فُتح بها نوافذ معقودة بعقود نصف دائرية لإضاءة هذه الحارات في الصباح ولتهوية السوق من الداخل، ويبلغ عدد المحلات بالسوق 220 محلًا تجاريًا فضلا عن الحجرات المخصصة للقومسيونجية والإدارة.
السوق من الخارج
لم يكن لمبنى سوق الخديو توفيق منفذًا من الجهتين الشرقية والشمالية مما يعوق حركة الوصول إليه، ما دفع نظارة الأشغال لفتح طريق يصل بين الواجهتين وشارع الموسكي.
تطل واجهات السوق الأربعة على شارع الأزهر وشارع محمد علي وشارع العطار وشارع مرجان وعلى جانبي المدخل الرئيس ثلاثة مداخل فرعية تفضي إلى الحارات.
ويتوج كل مدخل رئيس للسوق درع على جانبيه فرعان من النبات، وهذه العناصر من التأثيرات الأوروبية على العمارة في مصر تمثل شعارات المالك، وكانت توضع غالبا في زوايا المباني، ومن أشهر القصور التي تضم مثل هذه الزخارف قصر حبيب السكاكيني بغمرة وقصر الزعفران بالعباسية.
وقد حددت نظارة الأشغال مبلغ 425 جنيهًا سنويا لتكاليف نظافـة السوق من الداخل والشوارع المحيطة بـه وصيانة الأرضيات، ورش الشوارع المحيطة بالسوق، حفاظا على الصحة العامة.
يقف صامدًا أمام الزمن رغم ما أصابه، بني السوق ليواكب مباني القاهرة الخديوية وليوفر كل ما يحتاجه سكانها من غذاء، واليوم يواكب السوق العشوائية التي أحاطت بمنطقة العتبة وما حولها.