التقاريرثقافة

الفيلم البرازيلي “فندق كامبريدج”.. للبؤس لُغة واحدة!

يعرض ضمن أسبوع "الفيلم البرازيلي" في سينما "زاوية"

رغم تصنيفه على أنه فيلم درامي، وفق الكتالوج المطبوع لأسبوع الفيلم البرازيلي، الذي تستضيفه سينما زاوية خلال شهر ديسمبر 2019؛ إلا أن المُـشاهد كثيرا ما يسأل نفسه خلال المشاهدة: أي نوع من الأفلام يرى على الشاشة ؟؟

الفيلم الذي عُـرِض ضمن مهرجان “سان سباستيان” السينمائي الدولي عام 2016 يدور حول عالم المهمشين والمبعدين من العالم وفي البرازيل.

فندق مهجور ومتقادم تركه مُلاكه ويحاولون استعادته بالقانون وفق حكم محكمة، تنفِّـذه الشرطة في ليلة رأس السنة، وتحاول مرارا إخلاء الرواد من المشردين في البرازيل والمهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون تقنين أوضاعهم في الأرض الجديدة.

يبدأ الفيلم باستعراض البنية التحتية للفندق.. مواسير مياه، وأسلاك كهربائية تتجمع على الحائط، تستعرض الكاميرا تصاعدات وهبوط الأنابيب على الجدران، فيما يشكِّـل خريطة معقدة ومتشابكة لما سنراه لاحقا من أعراق وأجناس وثقافات تتشابك فيما بينها سواء في تعاملاتهم اليومية، أو في تعاونهم لإنتاج مسرحية من بطولة سكان الفندق ويقوم بإخراجها مخرج متقاعد يقطن الفندق.

بنيان الفندق الضخم يتم استعراضه مرارا من داخله، حين تتوجه الكاميرا للسماء من خلال بئر السلم، أو حين ترتكن لأحد المناور تراقب السحب العابرة في لقطات أقرب لروح الرصد والتأمل، الأمر الذي سيتحول لروح التلصص حين يقوم المخرج “إليان كافيه” بتركيز كاميراته على شباك أحد المناور، حيث المطبخ الذي يضم ثلاث جنسيات مختلفة تستعرض أكلات كل دولة وأسمائها ويتجادل الطهاة الثلاث وتتعالى أصواتهم بينما هم يتناقشون أي مطبخ أفضل، وأي الأطعمة أشهى، ضمن حوارهم الذي يُعلي من القومية ويستعرضها عبر المطبخ.

هنا ولفترة طويلة ونظرا للتكنيك المستخدم لسرد الأحداث، يشعر المتفرج بغرابة ما أثناء المشاهدة، لاعتماد حس تسجيلي راصد ومستكشف، ولا يُـقحم الكاميرا مباشرة داخل المشهد، إضافةً للقطات الممرات في الفندق، التي تؤسس لحكاية كل شقة فندقية سندخلها ونرى أفرادها بعد قليل، كذلك طبيعة تصميم المشاهد نفسها المتسمة بالديناميكية والحركة لتلائم بروفات المسرحية الراقصة أو اجتماعات ناشطين حقوقين ومحامي اللاجئين الذين سيتم إخلائهم من الفندق. هنا الكاميرا المحمولة أو ظهور كاميرا توثِّق هذا الاجتماع في المشهد نفسه ينقلان للمُشاهد هذه النكهة التسجيلية، ويزيدان الإيهام بالروح التوثيقية فيلتبس الأمر على المشاهد في تحديد نوع ما يرى. لكن لثراء القصة وتعدد أبطالها سيترك مُشاهدنا هذا التساؤل إلى حين ُمكملا انغماسه في حكايات الأبطال.

أسبوع الفيلم البرازيلي الذي استضافته “زاوية”

مشاهد أرشيفية تُـبرِز نضال عمال مناجم الألماس في الكونغو تصاحبهم الكاميرا تحت الأرض حتى يستخرج أحدهم قطعة ألماس كبيرة من بين الصخور، أو مكالمة فيديو بين مهاجر عربي الملامح وأخته في فلسطين تصاحبه عبر شاشة الموبايل لتخرج من شقتها إلى شرفتها فنرى آثار العدوان الإسرائيلي من هدم منازل وركام وأطلال منطقة سكنية أو ما كانت عليه ذات يوم.

 مشاهد حقيقية أو (أقرب للحقيقة) يُـؤسس بها المخرج لمسار كل قصة سنراها، فالمهاجر الإفريقي تطارده امرأة بطفلٍ تقول أنه ابنه ويأويها شقيقه الذي يذكِّـره في كل مكالمة عبر الإسكايب أنه هرب للبرازيل وتركه لمواجهة الفقر والأم المريضة والزوجة المدعية بعد نشوب الحرب بفعل السيطرة على مناطق تعدين الألماس. والمهاجر الفلسطيني يرى أخته للمرة الأولى بعد ربع قرن، مؤكدا لها أنه من الصعب العودة لفلسطين مرة أخرى فقد احترف الغياب.

يبرز سؤال النوع الفيلمي مجددا في مشاهد التحضير للمسرحية، والتي يعتمد مخرجها على ارتجال ممثليه لتوليد الحكاية بتقنية أقرب للعلاج النفسي حين يجتمعون في دائرة ويحكون ذكريات ما قبل الهجرة. يقفز سؤال الفرق بين ما هو تسجيلي وبين ما هو روائي في هذا المشهد تحديدا ليس لاعتماد اللقطات الواسعة فحسب بل لتتبع هؤلاء الساردين سواء أثناء بوحهم أو خلال البروفات الراقصة للمسرحية والتي التزمت فيها الكاميرا بدور المتلصص. لكن من أكثر ما يجعل المشاهد مستلبا نحو ما يراه على الشاشة هو ذلك الأداء العفوي والتلقائي لجل الممثلين الأبطال ولباقي الأدوار المساعدة.

تتشابك القصص وتتولد علاقات الصداقة والوِد، فثمة قصة حب تبدأ بين المهاجر الإفريقي وفتاة برازيلية توثِّـق للمسرحية، والمهاجر الأردني الذي يحاول تعلُّـم البرتغالية من ساكنة برازيلية كانت تعمل في السيرك في شبابها سيحتويها في لحظات انهيارها، حتى محمود درويش بخبز أمه يحضر على لسان المهاجر الفلسطيني الودود الذي يبيع زيت الزيتون بالأجل لساكني الفندق فيقرضهم الشِـعر والزيت.

تحاول الشرطة أكثر من مرة اقتحام المبنى، ويتصدى لها نزلاء الفندق ويتضافر معهم اللاجئون في مدن أخرى والذين يتوافدون على الفندق ليلا ويستعمرون باقي الشقق مع تأكيد من الناشطة الحقوقية المرابضة في الفندق على ضرورة العمل الجماعي وإيثار الآخرين على النفس لمواجهة السلطات التي ينتهي الفيلم بصدامها مع ساكني الفندق دون حسم واضح لنتيجة المواجهة، لكننا نرى عبارة “هنا كان فندق كامبريدج” مكتوبة على آخـر أدوار الفندق ولتستعرض الكاميرا رأسيا الفندق من قمته وحتى الشارع عارضة أسماء العاملين فيه.

واقع أشد درامية من الخيال وعالم يتشظى وشتات عالمي لا يقتصر على الفلسطينين الذين احتكروا المنافي لعقود حتى أصبحت هوية لتأتِ عبارة على لسان المهاجر الفلسطيني الذي يتصدى للشرطة للحفاظ على الفندق واحتلاله هو وباقي المهاجرين والمشرّدين:

لقد كنت طوال عمري تحت الاحتلال وأريد أن أعرف الآن كيف يشعر المحتل!

* الفيلم  حصل على جائزة الجمهور لأفضل فيلم وجائزة فيبريسكي من مهرجان ريو دي جانيرو السينمائي الدولي 2016.

الوسوم

‫2 تعليقات

  1. تنبيه: Google
  2. تنبيه: Google
إغلاق
إغلاق