ثقافة
لأول مرة: المجتمع الأهلي في مصر يمنح “جائزة الشعب” لصنع الله إبراهيم
استضافت بالأمس قاعة النيل للآباء الفرانسيسكان حفل تكريم الكاتب الكبير “صنع الله إبراهيم”، وتقديم جائزة له عن مجمل أعماله تقديره له كمثقف “ملتزم بقضايا وطنه”.
الاحتفالية التي استمرت حوالي ساعة ونصف الساعة قدمتها الإعلامية منى سلمان، وتخللها فقرتي عزف عود وغناء للملحن أحمد إسماعيل، الذي اختار أغنيات من تأليف فؤاد حداد، وأغنيات لسيد درويش، كما قدم طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية فقرة قراءة مسرحية لمقتطفات من أعمال صُنع الله إبراهيم.
تأخرت الاحتفالية التي كان مقررا لها من البداية الساعة 6 مساء، ليس بسبب انتظار “صنع الله”، على العكس كان الأديب الكبير حاضرا في القاعة عند السادسة، لكن محبوه وأصدقاؤه وتلاميذه، هم من توافدوا على قاعة النيل خلال 45 دقيقة بعد السادسة.
انقضت الدقائق في تحية “صنع الله”، لم يبدو الأمر كما لو كانت تحيات تقليدية أو “وداع” بالطبع، بل كانت أكثر من تهنئة بجائزة، كان الجميع يقبلونه، يشدون على يديه بحرارة، يربتون على كتفيه، كما لو لو أراد كل شخص أن يلتمس شيئا من صنع الله إبراهيم لنفسه، شيئا من صلابة أو تمرد أو القدرة على قول “لا”، أو قدرة على الاستمرارية في الكتابة والإبداع حتى الآن، أو شيئا من “قيمة ومكانة” يمتلكها صنع الله إبراهيم في قلوب المختلفين معه قبل محبيه. بالمناسبة كلما مررت بعيونك في القاعة تلك الليلة كنت حتما سترى وجوه تعرفها، لسياسيين سابقين، فنانين، كتاب رجال ونساء، رجال أعمال، نشطاء، سيدات مجتمع، صحفيين، عدد من القساوسة جاءوا خصيصا من محافظات بعيدة لحضور التكريم.
جائزة الشعب “نقطة فاصلة” في دور المجتمع الأهلي في مصر
بدأت الاحتفالية بكلمة للكاتب “محمد سلماوي” رئيس اتحاد كتاب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، والاتحاد واحد من ثلاث “جهات” شاركت في تقديم “جائزة الشعب” لصنع الله إبراهيم.
قال “سلماوي” إن هذه المناسبة “في غاية الأهمية”، ليس فقط بسبب سمعة صنع الله إبراهيم ككاتب “التي “تخطت حدود بلده، وترجمات أعماله التي وصلت للغات متعددة”.
أضاف “سلماوي” أن الاحتفاء بصنع الله إبراهيم يأتي بعد “سنوات لتكريسه وقته للكتابة والإبداع، على الرغم من الأعمال الآخرى التي قام بها هنا وهناك (..) كاتب مستمر في الابداع طوال عقود منذ الستينات بلا توقف..”
أشار “سلماوي” إلى الأهمية التي تكتسبها “جائزة الشعب” ومنحها لأول مرة لصنع الله إبراهيم بأن “لأول مرة في تاريخ الحركة الثقافية المعاصرة يقوم المجتمع الأهلى بنفسه بمبادرة، لتكريم أحد رجال الثقافة والفكر والأدب بلا توجيه أو تشجيع، وتقديم جائزة كبرى سواء في قيمتها الأدبية والمادية، تزيد عن قيمة جوائز الدولة الكبرى، وتأتي من قراء الكاتب، تأتي لما كتبه الكاتب وليس لأي أسباب أخرى، ومجردة من كل هوى وصبغة سياسية ومنفعة”.
واعتبر سلماوي في كلمته-الغير مكتوبة- أن “من حظ صنع الله إبراهيم أنه أول من حاز الجائزة، وأول من قرر المجتمع المدني في مصر أن يكرمه بهذه الطريقة..”؛ فهي-أي الجائزة- من وجهة نظر “سلماوي” “نقطة فاصلة بالنسبة للمجتمع الأهلي للقيام بدور تجاه من قاموا بصياغة وجدانه على مدار سنوات”، وأضاف: المجتمع المدني قام بواجبه بعد أن اعتمد طويلا على الدولة.
ثم القى د. زياد أحمد بهاء الدين كلمة قصيرة للغاية، تحدث فيها عن موافقة أعضاء مجلس إدارة جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين على المساهمة كل عام أو كل عامين في “جائزة الشعب”، وموافقتهم كذلك على منحها لأول مرة للكاتب “صنع الله إبراهيم”، وكيف إنها كانت في البداية فكرة من “محبي صنع الله إبراهيم” ثم وصلت الفكرة للجمعية وأتحاد كتاب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
ذكرى رفض “صنع الله إبراهيم” لجائزة “مبارك” لم تغب عن احتفالية تكريمه
لم يغب عن أذهان الحضور ذكرى رفض صنع الله إبراهيم لجائزة الملتقى الثاني للرواية العربية، الذي عُقد في القاهرة عام 2003، ولحظة وقف فيها صنع الله إبراهيم بجسده “النحيل للغاية” يتلو بيان رفضه للجائزة، وتحدث فيه عن القمع والفساد والظلم والأكاذيب التي يعيش فيها المواطن المصري وأنهى كلمته “كل ما أستطيعه هو أن أشكر مرة أخرى أساتذتي الأجلاء الذين شرفوني باختيارى للجائزة، وأعلن اعتذاري عن عدم قبولها، لأنها صادرة عن حكومة لا تملك- في نظري- مصداقية منحها؛ وشكرا”، لذلك مازحه “سلماوي” قبل تسلم الجائزة هذه المرة قائلا “مش عارفين لسه هيقبلها ولا لا”.
وهي الذكرى التي أشار لها د. محمد أبو الغار في كلمته أمام الحضور كممثل عن “محبي صنع الله إبراهيم”، قائلا :“رفض صنع الله الجائزة ونظام مبارك ووزارة الثقافة، كانت الناس سعيدة جدا وفرحانة جدا باللي قاله صنع الله إبراهيم.. كلمت الطيب صالح وكان رئيس لجنة التحكيم، لقيته فرحان ومبسوط جدا، وقال هو ده الكلام المظبوط، هو ده اللي نجح المؤتمر”.
أشار أبو الغار في كلمته أيضا إلى جانب من شخصية “صنع الله” التي ظهرت في “نادي الكتاب” الذي كان يُقام بشكل دوري في منزل “أبو الغار”: “شخصية صنع الله ظهرت فيها حاجات غريبة ومختلفة عمره ما اتضايق أو اتنرفز من النقد، كان بهاء طاهر دايما يدافع عنه. الفنانين العظام بيبقوا كده يتقبلوا النقد بسهولة”.
وأضاف “أبو الغار” بأن هذه الجائزة هي لـ: المناضل صاحب الفكر والذي ضحى كثيرا في سبيل مبادئه، وخلال فترات السجن، الإنسان البسيط المتواضع فيه صفة الإنسان الحقيقي، الكاتب اللي اسعد الناس.. جائزة الشعب بتروح لأبن الشعب صنع الله إبراهيم”.
كلمة صغيرة من “صنع الله”
في نهاية الحفل تسلم صنع الله إبراهيم “جائزة الشعب”، التي بدت جائزة لـ”متمرد عنيد” أكثر منها جائزة تكريم عن “مجمل أعمال”، فصنع الله مازال يكتب، لم يختتم أعماله بعد. ولم يقرر اعتزال الحديث في الشأن العام، لذلك لم يكن مستغربا أن أول جائزة من “الشعب” تُمنح لمن سبق ورفض جائزة “السلطان”.
لم يتحدث “صنع الله” كثيرا اكتفى بكلمة صغيرة “مكتوبة” قائلا: “محضر كلمة صغيرة علشان ملخبطش”، قال فيها: “أشعر بالسعادة والفخر لهذا التكريم لأنه صادر عن شخصيات وطنية كنت ساقول “مواطنون شرفاء” ثم تنبهت أن مصطلح “مواطنون شرفاء” سيء السمعة منذ اُطلق على البلطجية الذين استخدمتهم أجهزة الأمن ضد ثورة يناير (..) ما يكلل سعادتي أن هذه المبادرة قد جرت في ذكرى الأيام المجيدة، وما يعكر هذه السعادة هو غياب من ضحوا بحياتهم وعيونهم في هذه الثورة. كنت أود لو شاركني هذه الفرحة من يتواجدون الآن خلف القضبان”. انتهى الحفل.