حوارات صحفيةڤيديو

المصورة الروسية زينيا نيكولسكايا: كدت أبيع أثاث بيتي للإنفاق على تصوير قصور مصر!

المشروع بدأ عام 2006 من بيت سراج الدين باشا بجاردن سيتي وفي سانت بطرسبرج لم يصدقوا إن القصر في القاهرة

عندما ذهبت المصورة الروسية زينيا نيكولسكايا بنسخة من كتابها المصور DUST أو “تراب”، إلى الدكتورة سهير زكي حواس أستاذ العمارة، سحبت سهير حواس منديلا لتمسح به التراب من على غلاف الكتاب. ضحكت نيكولسكايا وقالت لها: لا تفعلى فالتراب داخل الصورة لا عليها.

غلاف كتاب "تـــــراب" أو DUST تاريخ قصور ملكية في مختلف أنحاء مصر - المصدر: زينيا نيكولسكايا
غلاف كتاب “تـــــراب” أو DUST تاريخ قصور ملكية في مختلف أنحاء مصر – المصدر: زينيا نيكولسكايا

توثق زينيا في كتابها الاستثناء “تراب” أو DUST تاريخ قصور ملكية في مختلف أنحاء مصر وترصد التحولات التي طالت قصور “الجوهرة” و”الدوبارة”، “السكاكيني”، وقصور الأمير عمر طوسون، وسراج الدين باشا، وقصر سعيد حليم وغيرهم.

وزينيا مصورة فوتوغرافيا روسية تعيش بين سانت بطرسبرج، وستوكهولم والقاهرة. درست فى الأكاديمية الدنماركية الملكية للفنون الجميلة وحصلت على درجة الماجستير في الفنون الجميلة من الأكاديمية الروسية للفنون الجميلة في سانت بطرسبرج. عملت نيكولسكايا مصورة فوتوغرافية منذ وقت طويل، وقد عرضت أعمالها فى معارض منفردة وجماعية على مستوى العالم، وتم اقتناء أعمالها فى مجموعات كبرى منها “سواريج ألمانا كوننتسفورينينج” وبنك “يو بى إس” ومكتبة الاسكندرية.

افتتاح معرض زينيا نيكولسكايا في متحف هيرميتاج في 2015
افتتاح معرض زينيا نيكولسكايا في متحف هيرميتاج في 2015

وقد قامت بأعمال أيضا لحساب “نيوزويك” و”جيو” و”كوزموبوليتان” و”إيل” ومتحف “هيرميتاج.”، وقامت نيكولسكايا بتدريس الفوتوغرافيا فى الأكاديمية الروسية للفنون الجميلة وجامعة سانت بطرسبرج وجامعة روتجرز بنيو جيرسي وكانت أستاذا زائرا في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

“منطقتي” التقت زينيا نيكولسكايا وكان معها هذا الحوار..

في البداية.. أنتِ فنانة بصرية، ما الذي أثار شغفك بقصور أثرية في بلد بعيد كمصر؟

أنا فنانة بصرية لكني تخرجت كمؤرخة فنية في أكاديمية الفنون بسانت بطرسبرج حيث وُلدت، لذا فإن أغلب أعمالي ذات صلة بالتراث، أحترم التصوير وأعتبر نفسي مصورة فوتوغرافية لكن مادة الموضوع هامة جدا بالنسبة لي، الأمر لا يتعلق فقط بالجمال والإضاءة والظلال. وأظن أني باحثة ومؤرخة فنية ولكن التصوير هو عُذري لتطوير الموضوع، وأعتقد أن التصوير أداةً للوصول للناس وزيارة الأماكن. كما أعتقد أن التصوير تاليا في حين يأتي الموضوع في المقام الأول.

صورة من كتاب DUST
صورة من كتاب DUST

هل هناك مشاريع موازية أو مشابهة في دول أخرى؟

بعد إصدار كتابي “Dust” اقترح علي كثيرين أن أذهب لأماكن جديدة وإعادة التجربة، أعني أن العديد من البلاد واجهت التحولات الاقتصادية والسياسية بنفس الظروف التي واجهتها مصر، لأننا لو تحدثنا مثلا عن الاتحاد السوفيتي فسنجد العديد من البلدان التي واجهت نفس الوضع من حيث تغير القيم والاهتمامات، بعض الأمور صارت مهمة والبعض الآخر لم يعد كذلك، إنها الحياة وسُنَّـة التغيير وتطور الإنسان.

لا أريد أن أكون ذلك الشخص الذي يركز دائما على المباني القديمة، لكني بعد أن أنهيت عملي في مصر بدأت مشروع في “أبخازيا”، وهي دولة صغيرة انفصلت عن جورجيا، ولم يتم الاعتراف بها من عدة دول، لكنهم واجهوا نفس الموقف، فقد كانت ذات يوم منتجعا روسي يقصده الناس لتمضية الأجازات، وحصلت على استقلالها ومنذ ذلك الوقت بدأ الناس يواجهون تحديات اقتصادية، وكثير من المباني لم يعد متوفر لها أي من المال أو الرغبة أو الصلاحيات لترميمها، ولكن إذا كان الأمر في مصر يتعلق بالتراب ففي أبخازيا ساد الاخضرار بفعل الأدغال بسبب المناخ شبه الاستوائي. فربما كانت مهجورة من الجانب المعماري، لكنها كانت خضراء بغطاء من الطبيعة، ولم تكن صفراء أو بنية كما الحال في مصر، وسوف أعود لأعمل عليه.

كيف كانت رحلة البحث وإعداد الكتاب وكم استغرقت؟

استغرق المشروع ست سنوات وبدأته بقصر سراج الدين باشا بجاردن سيتي في يناير 2006 وقمت بالعديد من الأبحاث، لن أقول 70% كان بحثا و 30 % تصويرا، لكني كنت آتي لمصر وأقابل ناسا وأحاول الحصول على تصاريح للتصوير لأماكن مختلفة، وفي 2008 لاحظت أن الأمور لا تجري بشكل متسارع فكان عليّ الانتقال إلى القاهرة في 2010 وكانت هذه هي سنة العمل المكثف، وكنت أسافر كثيرا وأُدرِّس في الجامعة الأمريكية، كنت أمكث يومين في القاهرة ثم أتجه لأماكن مختلفة، لذا فقد كان العام 2010 عاما منتجا، وكان يوجد الكثير من البحث، فقد كنت أقرأ الكثير من الكتب وأقابل العديد من الناس وأستعين بمساعدة المعماريين الأصدقاء، وأتلقى المساعدة من الأصدقاء الذين يعرفون الأماكن وينصحونني بزيارة أماكن معينة. وعليَّ أن أشير إلى أنه في العام 2009 لم يكن هناك تطبيق google maps في مصر أو GPS ، لذا فقد كان أغلب البحث على الأقدام وأمشي في الشوارع، وأسجل الملاحظات وأضع علامات على الخرائط وأقترب من الناس، وأذهب للمكتبات.

صورة من كتاب DUST
صورة من كتاب DUST

70 صورة و30 موقع.. ما هي حيثيات اختيارك لكل قصر قمتِ بتصويره؟

سمعت ترشيحات كثيرة من أصدقائي.. بعض الأماكن كانت بترشيح منهم، وبعضها قرأت عنها، مثل كتاب المؤرخ سمير رأفت والذي لم أستطع التواصل معه للأسف وقد كان كتابه عونا كبيرا، وأعمال المؤرخ الفرنسي ميريدث فولان حول العمارة المصرية في العصر الحديث، وبول جيداي وهو فنان يعيش في جاردن سيتي، وأيمن منجد الذي ترك مصر للأسف، والعديد من الأشخاص الذين شاركوا بخبرتهم معي وأنا ممتنة لهم، ولا يمكنك القول أنه كانت لدي خطة شارع، الأمر بدأ بقصر سراج الدين باشا وكان أول قصر صورته وكان بالمصادفة واكتشفته بنفسي، وكانت المرة الأولى التي أدخل فيها القصر وصدمت بالجمال، وبعد أن ذهبت لسان بطرسبرج لم يصدقوا أن هذا القصر في القاهرة، وهذا ما أردته، أن أخبرهم أن مصر ليست الأهرام والبحر الأحمر والأقصر .. لدينا هذا الأكليشيه وهنا تنتهي معرفتهم بمصر.

أفهم من حديثك أن  خطة التصوير لم تكن تسير وفق تصور زمني أو جغرافي ؟

لا.. هناك وفق التصور الزمني القاهرة الكوزموبوليتانية والتي تعني بالفترة الخديوية وحتى 1952 وقد ركزت عليها وقد تغيرت أحوال البلد فيها، وهذا تحول مذهل وحدث في فترة زمنية قصيرة. بالنسبة لي كنت أبحث عن شيء قريب مني، فأنا من سانت بطرسبرج وقد نشأت مدينتنا خلال 300 سنة، قصة القاهرة الخديوية مألوفة بالنسبة لي فعندما زرت القاهرة انتابني شعور أنني في وطني ولكن بقليل من الاختلاف،  وبهذا المعنى فإن العمل في القاهرة الخديوية جعل الأمر أشبه بالعودة إلى وطنك.

زينيا في افتتاح معرض DUST في متحف آثار البحر المتوسط والشرق الأدنى بمدينة ستوكهولم السويدية عام 2014
زينيا في افتتاح معرض DUST في متحف آثار البحر المتوسط والشرق الأدنى بمدينة ستوكهولم السويدية عام 2014

هل ثمة جهات مانحة أو صناديق دعم قامت بدعمك لإنجاز الكتاب؟

إنها قصة حزينة.. فمن خلال فترة عملي في هذا المشروع لم أتلق شيئا، وكانت المساعدة الأخيرة لنشر الكتاب حين ذهبت لمكتب اليونسكو بالقاهرة وقد ساعدتني تمارا تينشفيليه رئيسة المشروع الثقافي هناك حينها، وقد ساعدتني في المرحلة الأخيرة من الكتاب وقد نشروا بعض صور الكتاب ضمن أجندتهم التي يوزعونها في شبكتهم، ولكن لم يكن أحد مهتم، فعندما تعملين مع جهات وصناديق دعم ومؤسسات مختلفة عليك أن تكوني محددة جدا لما تقومين بفعله، وعليك أن تضعي نفسك في خانات محددة.. عليك أن تكوني امرأة لم تتجاوز الخامسة والأربعين، مصورة وثائقية، وأن تكوني مصورة من بلد نامية، أو مصورة عربية… يجب عليك أن تعنوني نفسك.

بالنسبة لي كان الأمر كالتالي: امـرأة روسية في مصر بجواز سفر سويدي وعملها حول العمارة الكولونيالية المصرية، لـذا يصعب أن تضعيني في خانة محددة. فأنا متعددة. وعليّ أن أحدد كيف أُعرِّف نفسي. مصورة أم مصورة وثائقية. لكنني أقوم بعمل أعتقد أنه صائب ومهم وأترك للآخرين وصف عملي. لكنه كان تحدٍ كبير، وقد اقترح زوجي أن نبيع بعض أثاثنا لنمول نشر الكتاب، وكان أمرا قاسيا.. بالطبع لم نبع شيئا ولكنه ما على كل فنان أن يعانيه.

على شركات التطوير العقاري والجهات الرسمية إعطاء القصور للفنانين بدلا من تركها مهملة لسنوات

ما رأيك في اعادة استخدام الأثر؟ ما هي المقتضيات التي يجب مراعاتها لو تم ذلك؟

أعتقد أن شركات التطوير العقاري أو المجلس الأعلى لآثار أو أي جهة مسئولة عليهم إعطاء القصور للفنانين بدلا من أن يُـترك المبنى خاليا لسنوات، على الناس أن يكونوا داخل المباني، أن ينظفوها، وأن يفتحوا النوافذ.. أشياء بسيطة يفعلونها، ولكن لو هجر الناس المباني فستنهار، أعتقد أنه تم تنفيذ هذه الفكرة في الولايات المتحدة وأوروبا وبرلين.. أعتقد أنه على المباني أن تحيا، ولو أعطيت المباني لمجموعة من الفنانين أو رواد الأعمال فسنضمن أنهم على الأقل سينظفونها، ويصلحون الحمامات والكهرباء، سيغيرون الزجاج، وستبقى كجزء من هوياتهم وسيمنح هذا الإجراء المبنى عشرين عاما من الحياة بدلا من انتظار أحدهم يحمل مليون دولار ليشتري المبنى.. إنه شيء سخيف جدا.

هذا النمط المعماري يجتذب فئات معينة، إنه يكلف كثيرا ومن الصعب بيعه، وأتمنى أن أي مسئول سيسمع لقائي أن يترك هذه المباني للشباب لمدة معينة (خمس سنوات مثلا) ويضع بعض القواعد والمحاذير بشان الإنشاءات والبنية التحتية.. إن صيانة بسيطة ستساعد بشدة.

من كتاب DUST للباحثة الروسية زينيا نيكولسكايا
من كتاب DUST للباحثة الروسية زينيا نيكولسكايا

ومن أهم المعماريين الذين أعجبك تصميماتهم؟

أنطونيو لاشياك كواحد من أهم المعماريين، فقد صمم قصر سعيد حليم.

كيف استلهمت فكرة الشكل الفني للكتاب حيث يعلوه التراب؟

صديقي جايسن مصور أمريكي كان يزوروني هنا، وقال إنه إذا كان عملي بخصوص التراب، فعليك أن تريه للناس. احتفظت بالصور على الرف وانتظرت أسبوع أو أسبوعين ربما، ومسحت بيدي والتقطت الصورة، وهكذا فإن كل من يُـمسك بالكتاب يريد أن يمسحه.. لذا اعتقد أننا أصبنا الهدف.

العمارة تتأثر بالأحوال السياسية والاقتصادية وتخبرنا بالتاريخ أفضل من أي شيء آخر..

 كيف عكس المعمار التحولات الاجتماعية والاقتصادية في مصر.. بخلاف الإهمال بالطبع؟

ربما ترسمين لوحة فلا تعجب الناس فتضعينها على رفٍ، أو تكتبين كتابا ولا يريد الناس قراءته فتضعينه في صندوق، ولكن العمارة تتطلب تصاريح وقانون ومال.. وتتأثر بالأحوال السياسية والاقتصادية وجودا وعدما، العمارة تخبرنا بالتاريخ أفضل من أي شيء آخر.. لذا فأنا مغرمة بالعمارة لأنه بمجرد رؤيتك للمبنى، الأسلوب، تدركين أين أنتِ وما الذي حدث، وبحالة المبنى يمكنك معرفة ما الذي يحدث الآن وما الذي تمر به البلاد وما مستقبلها.

ما هو المشروع الذي تعملين عليه الآن؟

أعمل حاليا على قصتي الشخصية.. عائلتي. إنه كتاب عن جدي الذي كان كاهنا وتم اعتقاله 1935 لعشرين عاما، وتبعته جدتي لسيبريا حيث مكان اعتقاله، وكانت جيولوجية، وبعد موت ستالين استطاعا العودة إلى لينينجراد، وبنيا منزلا هناك حيث أمضيت فترة طفولتي، وأمكث به كل صيف، وهذا المنزل يحفظ ويُـبقي قصتهما.. إنه عن إيجاد هويتك، ويعتمد على الصور والوثائق، كما صورت أمي في رحلة قامت بها إلى المكان الذي ولدت فيه حيث أتت إلى لينينجراد حينما كانت صغيرة.. أعدتها إلى هناك حين بلغت السبعين، وكان أمرا مذهلا. إنه حول عدة عناصر حرة أحاول أن أضعها معا.

الوسوم
إغلاق
إغلاق