حوارات صحفية
ماريان خوري: وسط البلد أسست القاعدة الجماهيرية لجمهور «السينما المستقلة»
تحدثنا إليها حول تجربتها السينمائية.. والأفلام التي شاركت في صنعها.. وغيره من الموضوعات

في عام 1972 أسّس يوسف شاهين شركة أفلام مصر العالمية واختار لها مقرا في شارع شامبليون بوسط البلد، وسرعان ما أصبحت واحدة من أكبر شركات الإنتاج والتوزيع السينمائي في مصر، ونالت العديد من الجوائز المحلية والعالمية، مما أكسب المخرج الكبير –وعائلته- مساحات أكبر في صناعة السينما لا سيما ما يعرف بـ«السينما المستقلة» أو غير التجارية.
المنتجة والمخرجة ماريان خوري، واحدة من أفراد العائلة السينمائية العريقة، ومع شركاءها حاولت التوسّع بالشركة أكثر، وإنتاج أفلاما متنوعة شملت أفلام تسجيلية ومسلسلات للتلفزيون وحتى الإعلانات أيضًا.
أعلنت ماريان ما عرف بـ«مبادرات الإنتاج» وهي مبادرة تستهدف شباب المخرجين المصريين بمساعدتهم على إنجاز أول أو ثاني أفلامهم، بدءًا من مرحلة البحث إلى عرضه في السينما. فكان لها دور كبير في الحراك الشبابي في الوسط السينمائي المصري، فضلا عن مشروعها الأهم بتدشين أول سينما لعرض الأفلام «غير التجارية» هي سينما «زاوية» وإطلاق «بانوراما الفيلم الأوروبي» الذي وصل إلى دورته العاشرة.
في حوار خاص لـ «منطقتي» مع ماريان خوري، تحدثنا إليها حول تجربتها السينمائية، والأفلام التي شاركت في صنعها، وعلاقة التأثير والتأثر بين وسط البلد والصناعة السينمائية.
كيف بدأت علاقتك العملية مع الوسط السينمائي؟ ولماذا اخترت هذا المجال؟
في البداية أود أن ألفت النظر إلى أن علاقتي بالسينما «علاقة جينات»، فإلى جانب يوسف شاهين كان والدي أيضًا منتج سينمائي كبير في فترة الخمسينات، لكن لا يظهر اسمه على التترات، فقط كانت تحت عنوان «شركة الشرق» -استديوهات الشرق- وزّع في تلك الفترة حوالي 150 فيلمًا في حوالي 15 عام فقط، كان عصاميًا وأتمّ أعماله بنفسه حتى طالته يد التأميمات.
أحكي ذلك كي أشير إلى أنه تَعِب كثيرًا من عمله في السينما؛ ما انعكس على رفضه لدخولي المجال ذاته وخصوصًا مع يوسف شاهين.
ربما كان يرى أن هناك ما هو أسهل عمله وإنجازه في الحياة من تلك الصناعة المرهقة، لكنّي -على كل حال- قررت الدخول للمجال بعد وفاته في 1982 مع المخرج يوسف شاهين، وعملت كمنتج منفذ -بناءً على اقتراح شاهين- في فيلم «وادعًا بونابرت».
على عكس نصائح الأصدقاء بترك العمل في وسط البلد، ماذا كنت ترين فيها من مقومات فنية وهل لا زالت موجودة.؟
ليست نصائح بالمعنى الحرفي، كانت آراء أصدقاء، لكن كان الأمر طبيعي؛ مثل كل الصنّاع كان التفكير العام وقتها هو الانتقال بعيدًا عن الناس والزحام، لكني لم أكن أريد ذلك.
وسط البلد في النهاية غنية جدًا؛ بناسها واختلافاتها وتاريخها الذي لن يعوّض؛ ما أراه في عمارة شارع شمبليون ربما لن أراه خارجها من الخواجات القدامى أو «مثقفين وسط البلد»، حركة الشوارع والورش إلى جانب المطاعم والبارات وغيرها.. حياة متكاملة لا تتوافر في مكان آخر. وأنا استطعت عن طريق «زاوية» مثلًا إجبار أصدقائي على النزول لوسط البلد ومشاهدة العروض. ما جعلني أتمسك بالبقاء في المنطقة والتواصل مع الناس.
كيف ساعدت وسط البلد على نجاح سينما «زاوية» بعكس مشروع «سينمانيا» الذي قلتِ إنه فشل بسبب موقعه في «سيتي ستارز»؟
ليس بالضرورة الاعتماد على وسط البلد في حالة إنتاج الأفلام، لكن يمكن الحديث عن أماكن العروض. في مقابل فشل مشروع سينما «سينمانيا» الذي ربما يرجع إلى طبيعة المكان البعيد إلى حدٍ ما، وضعف التسويق الإلكتروني آنذاك -2007- وعدم معرفة الناس بالأمر، كان قرار وجود مشروع سينما «زاوية» في وسط البلد فكرة ابني يوسف، الذي يعمل هو الآخر في صناعة السينما -ربما لنفس الجينات السينمائية التي جعلتني أعمل بالمجال- وكان التركيز الأساسي على أنه لا بد من وجود سينما تحاول عرض أفلام غير تجارية. ومع نجاح سينما «زاوية» عرف الشباب مثل يوسف وأصدقاءه بناء قاعدة جماهيرية من محيط وسط البلد.
كيف تجدي النتائج على أرض الواقع؟ هل ساعدت تلك الأفلام في تحريك المياه في قضية المرأة؟
هذه القضية شديدة الصعوبة والبطء لكنها ليست مستحيلة، على سبيل المثال عندما عرضت فيلم «عاشقات السينما» عن رائدات السينما المصرية في دار الأوبرا المصرية، فوجيء الناقد السينمائي الراحل سمير فريد بالعدد الكبير من الحضور، تساءل عن سبب حضور كل ذلك، وسخر من الأمر بعدها قائلًا: «علشان شركة يوسف شاهين عرفتوا تجيبوا ناس». تحويل أنظار الجمهور إلى سينما غير الرائجة أمر صعب لكنه يحتاج فقط استمرارية وتواصل لينجح.
قلت من قبل أنك بدأت «بانوراما الفيلم الأوروبي» وحدك. كيف استفدت من «البانوراما»؟ وما المشاكل التي واجهتك؟ وما أهمية وسط البلد في إنجاح الفعالية؟
بانوراما الفيلم الأوروبي هو حدث فني سنوي، بدأ في عام 2004، وتنظمه الآن سينما «زاوية» نظرًا لنجاحه في منطقة وسط البلد، وتعرض خلاله أحدث الأفلام الأوروبية، وفي العامين الماضيين توسعت العروض الخاصة بالبانوراما في أربع محافظات أخرى، إلى أن وصلت إلى 10 مدن حاليًا.
جاءت الفكرة عندما كنت أسافر كثيرًا بصحبة يوسف شاهين، وكنّا كثيرًا ما نذهب إلى فرنسا، وبالنسبة لي فرنسا هي مهرجان سينمائي كبير، بلد عاشق للسينما، كلّما أجد نفسي هناك لا أتوقف عن رؤية الأفلام، من هنا جاءتني الفكرة، بعرض أنواع مختلفة من السينما، طوال الوقت.
دعني أقول أن وسط البلد كان لها دور مهم جدًا في استمرارية نجاح البانوراما. فإلى جانب قلة السينمات في مصر، نجد أنه من الصعب توقع نجاح عروض مثل تلك الأفلام، تلك الصعوبة لم تكن كبيرة في حالة عروض تتم في منطقة وسط البلد.
يختار الشباب القائمين على زاوية الأفلام التي تعرض بعد سفرهم إلى مهرجانات مثل «برلين» و«كّان» وغيرهم لمتابعة الأفلام الحديثة والحاصلة على جوائز عالمية والأفلام الأولى لصانعيها وأفلام قصيرة بحيث تشمل كل الجوانب والقضايا العالمية والمحلية.
كيف ترين الوضع الثقافي والسينمائي في مكان مثل وسط البلد حاليا؟
أرى تعطّشا لرؤية السينما عمومًا. تجربة سينما الزمالك على سبيل المثال تؤكد هذا التعطّش، ساعدت سينما الزمالك في بث النشاط في سكّان المنطقة للنزول إلى سينما بدون أن يذهبوا لأماكن بعيدة وهكذا. الأفلام في النهاية شيء مهم للناس ووسيلة تنفيس وترفيه ربما أكثر من أي شيء آخر.
أخيرًا، ما هي المشاكل التي تعتقدي أنه كان صعبا عليك مواجهتها؟
التحدي الأكبر للمرأة، أو ربما على المستوى الشخصي الذي أردتهيحياتي: أن يكون لي حياة مهنية وعائلية.
«الحقيقة أنا كنت عاوزة كل حاجة، نفسي في العيلة والشغل وكل حاجة»، أنا أعمل منذ أن كان عمري 15 عاما. أعمل بجانب محافظتي على دوري في الأسرة، وأحاول الحفاظ على ذلك التحدي والتغلّب على الصعوبات.
2 تعليقات