شوارعنا

شارع الديوان.. مزيج الثقافة والكباب

لسبب غامض تحيطك رائحة “المشاوي” بمجرد أن تدلف من شارع قصر العيني، إلى شارع “الديوان” في جاردن سيتي، ليس الغموض -بالطبع – في مصدر الرائحة، فهى تفوح من محلات لحوم واضحة بارزة دفعت بأفرانها وآلات الشواء إلى الرصيف، وإنما الغموض هو في تركز كل محلات المشويات تلك في هذه الانعطافة التي تدخل بك من زحام قصر العيني -الشارع والمشفى- إلى الهدوء الأخضر الشجري لشارع الديوان.

شارع الديوان- تصوير صديق البخشونجي.

وثمة غموض آخر في اتساق هذا الاسم الثقافي “الديوان” مع مواقع ومؤسسات ثقافية شبه مخفية في الشارع نفسه، بالطبع ليس “الديوان” هنا ديوان الشعر بل هو الاسم القديم للمصلحة الحكومية، الاسم الذي تزحزح حديثًا ليصبح اسم صفة لا اسم مسؤولية، فيقال “ديوان محافظة القاهرة” بعد أن كانت المؤسسة نفسها هى “الديوانية”، وغير بعيد عن “الديوان” ثمة “ديواني” آخر في جاردن سيتي هو شارع دكتور مصطفى الديواني، لكنه ليس حديثنا هنا.


شارع الديوان- تصوير صديق البخشونجي.

تخفي الثقافة نفسها في شارع “الديوان” عبر 4 مبان ليس لها نفس شهرة بنايات القاهرة الخديوية الأخرى، لكن وزارة الثقافة تسجلها معمارًا أثريًا مميزًا، هي العقارات رقم “1” و”7″ و”8″ و”10″، بنايات فخمة يخفي أغلبها الشجر، ويواجهها على الرصيف الآخر المباني الأكثر حداثة التي تنتمي إلى مؤسسات حكومية تختص بالمعلومات، أسفلها في عقار “ينصّص” الشارع مركز خاص للدراسات، حل محل مكتبة لم تعمر طويلًا هنا، أنشئت ضمن فورة المكتبات التي نشأت في وسط البلد في السنوات العشر الأخيرة، لكن يبدو أن الشارع كان أكثر هدوءًا من أن يعمر مكتبته الوحيدة.


شارع الديوان- تصوير صديق البخشونجي.

“الوحيدة” هنا إذا اعتبرنا “المكتبة” مكانًا لبيع الكتب، أما إن اعتبرناها -المكتبة- مكانًا لقراءة الكتب، فإننا -في 16 شارع الديوان- أمام مكتبة التحرير العامة المؤسسة بداية الستينيات، مكونة من 6 قاعات وحوالي 20 ألف كتاب بين عربي وأجنبي، أما إذا استخدمنا الوصف الشعبي، وأطلقنا “المكتبة” على كل محل يبيع الأوراق والأقلام والكراريس، ففي شارع الديوان العديد من “المكتبات”، تصطف في صمت بجوار بعضها البعض، يطل من كل منها ذخيرتها من الأقلام والكراسات والكشاكيل، وتحتل دائمًا ماكينة تصوير الأوراق مقدمة المحل، تعمل على جذب الطلبة العديدين الذين يمرون بالقرب من هنا، إما للدراسة في مركز المعلومات الحكومي، أو لكتيبة المؤسسات التعليمية الطبية التي يذكر بها شارع قصر العيني.

أما مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، أول ما يستقبل القادمين الداخلي من شارع الكورنيش، فتمنح “المكتبات” أسفلها شهرين من الرواج في العام، هي فترة مسابقتها الأدبية السنوية، فيمر المتسابقون على آلات التصوير لعمل نسخ من أوراقهم الشخصية تلبية لشروط المسابقة، لكنك، إن بحثت عن شارع “الديوان” عبر الإنترنت، فستجد السائلين عليه من كل صنف ولون ومن كل حدب وصوب في الأقاليم المصرية، ثمة رقم عقار بعينه شديد الشعبية هنا بين أبناء المحافظات، وتفسير اللغز أ شركة “سفريات” شهيرة تحتل موقعها هنا، “السفريات هنا بالطبع للعمالة لا للسياحة، ومن ثم فإن أشهر الأسئلة حول شارع الديوان لعى الإنترنت، هي “كيف أصل بالميكروباص إلى رقم (..) شارع الديوان جاردن سيتي؟


شارع الديوان- تصوير صديق البخشونجي.

هل تبقى سوى خارطة الطريق، إن اتخذت الكورنيش قادمًا من التحرير سيخيل إليك أن جاردن سيتي سوف تنتهي وتفلت منك قبل أن تجد “الديوان”، تمر السفارات الأجنبية والفنادق ووكالات توصيل العملة تباعًا على يسارك، حتى يلوح المبنى المهيب لقصر العيني الفرنساوي، على شمالك، وأول مداخل المنيل على يمينك، ثم يبرز على يسارك فجأة المدخل الملتوي بنعومة لشارع الديوان، سور فيلا على يسارك وسلّم مشجّر على يمينك، ومدخل هادئ ما يلبث أن يزداد زحامه بالتدريج، مرورًا بالمحال والطلبة، وصولًا إلى الازدحام واشتباك البشر والسيارات حين تصل بداية قصر العيني، فتتنسم رائحة هي مزيج من عوادم العربات، والدجاج المشوي.

الوسوم

تعليق واحد

  1. تنبيه: Google
إغلاق
إغلاق