شوارعنا
حسن الأكبر.. شارع كأنه شرفة
إذا واصلت السير إلى نهاية النصف الثاني لن يدلك شيء على أنه ها هنا وقعت أول محاولة اغتيال في العصر الخديوي!

أنت مخطئ لو ظننت أنك قد دخلت شارع حسن الأكبر لمجرد أنك غادرت ميدان محمد فريد في اتجاه باب الخلق، فالكثير لا ينتبهون إلى أن ذلك المسار القصير والغني بالناس والمحلات بين محطة محمد نجيب وبداية قصر عابدين هو شارع علي باشا ذو الفقار، محافظ القاهرة في نهايات القرن التاسع عشر، ولوظيفته تلك أطلقوا اسمه على الشارع القصير خلف مبنى محافظة القاهرة الذي كان أحد ملحقات قصر عابدين، فقط حين ينتهي الشارع القصير وسور المحافظة ويبدأ السور الأعلى لقصر عابدين، هنا يبدأ شارع حسن الأكبر ولا ينتهي إلا في باب الخلق التي كانت شهيرة باسم تحت الربع.
ولا تنس أبدأ أننا نتكلم عن عابدين لأن هناك شارع “حسن أكبر” آخر متفرع من شارع 9 في المقطم، نحن في حسن الأكبر بوسط البلد حيث يتوارى ضريح الوليّ الذي تسمى الشارع على اسمه وراء أسوار القصر الملكي، على الخرائط الرسمية يسمى الشارع “سامي البارودي” نسبة إلى شاعر السيف والقلم، لكن الناس ينتصرون للوليّ على حساب الشاعر ولا يسمّونه إلا شارع حسن الأكبر.

يصعب أن تميّز هل يرتفع شارع حسن الأكبر إلى أعلى أم أن الأرض على يساره –وأنت ذاهب لباب الخلق- هي التي تنخفض، الأكيد أن السلالم لا تلبث أن تظهر بعد قليل، سلالم لا تصعد بل تنزل إلى حواري عابدين التي تتفرع إلا ما لانهاية، فإذا بك تطل عليها من فوق وكأن الشارع الذي أنت فيه ليس إلا شرفة تتأمل منها الناس والمحال، ثم أنك أيضا لا تكاد تعرف على يضيق الشارع أم يتّسع لأن حسن الأكبر بمعيار الأمتار ليس شارعا واسعا لكن الجدران العالية للقصر على اليمين والشرفات العريقة للبنايات على اليسار تنسيك ضيق الشارع لأنها تتيح لك فرصة دائمة للتأمل بين الماضي الفخم والحاضر الشعبي يتعانقان في الشارع ذاته، هنا لا طبيعة معينة منفردة للنشاط التجاري على خلاف معظم الشوارع المحيطة، هنا تجد كل شيء حرفيا من الأجهزة الرياضية وكماليات السيارات إلى الكتب القانونية ومعدات طلبة العلوم، ومن مراتب النوم إلى معدات التصوير إلى أفران الفطائر والعجوة، وبين كل ذلك دائما ولا شك المقاهى تفرض نفسها وإن بهدوء لا يزعج السكان، ربما ساهم السور الملكي في ترسيخ هذا الهدوء وربما أيضا حضور قسم شرطة عابدين الذي يأتي شارعه ليقطع شارع حسن الأكبر إلى نصفين، إذا واصلت السير إلى نهاية النصف الثاني لن يدلك شيء على أنه ها هنا وقعت أول محاولة اغتيال في العصر الخديوي، يوم 9 أبريل 1915، حين أطلق تاجر الخردوات محمد خليل الرصاص على السلطان حسين كامل بمجرد مغادرة موكبه من قصر عابدين وعند التقاء شارع حسن الأكبر مع باب الخلق، أخفى خليل المسدس في باقة ورود واقترب من موكب السلطان كأنه يرحب به غير أن كبير الأمناء شك في الشاب وطلب من الحرس إبعاده، لكن الشاب هرع نحو عربة السلطان وأطلق الرصاص، واصطدمت رصاصته، كما تحكي لطيفة سالم في كتابها “مصر في الحرب العالمية الأولى”، اصطدمت بالحديد الملتف على كبوت العربة وأخطأت السلطان بسنتميتر واحد، وألقي القبض على خليل الذي كان غاضبا من إعلان الحماية البريطانية على مصر، وسيق إلى قسم عابدين وهو يهتف: يسقط الاحتلال، يسقط السلطان الخائن، يسقط الإنجليز.
لا أُثر اليوم في “حسن الأكبر” من هذا التاريخ إلى الأبنية العريقة لا تهمس بأسرارها إلا لمن يعرف بعضها، وعند التقاء الشارع بباب الخلق لن تجد السلطان لكنك ستجد المنتظرين حزانى على المقاهي يراقبون نقل ذويهم من على بعد خطوات في سجن الاستئناف، بينما يطل على مد البصر المبنى الهائل الجميل لمتحف الفن الإسلامي، ملقيا بظلال من تاريخ آخر.
الأب والأخ الأكبر!
كفى بالمرء حظا ومقاما أن يكون من الأولياء والصالحين، لكن حسن الأكبر، أو سيدي الحسن الأنور الأكبر الأبطح لم يكن وليا فحسب، بل هو الأخ الأكبر للقطب أحمد البدوي صاحب المقام والمسجد المشهور في طنطا، بل إنه أيضا، والد سيدي الحسين أبو العلا المدفون في بولاق بالقاهرة والتي سميت على اسمه بـ “بولاق أبو العلا”.
في عهد ملتهب شهير هو عهد السلطان الظاهر بيبرس في زمن المماليك جاء إلى مصر سيدي حسن الأكبر، في البدء صاحب شقيقه أحمد البدوي في رحلاته إلى مكة والعراق، وحين استقر البدوي في مصر جاء حسن يزوره والتقى السلطان بيبرس الذي آمن بكراماته وكرامات نسبه المغربي ومنحه في 666 هجرية نقابة الأشراف فصار “الشريف حسن الأكبر” وناداه العامة بالسلطان وهو اللقب الذي ورثه عنه فيما بعد ابنه الحسين أبو العلا.
وحين مات الأخ أحمد البدوي استقر حسن الأكبر في مصر نهائيا، ومنها كان يذهب وإليها يعود، وحين مات في 684 هجرية، بعد 9 أعوام من وفاة شقيقه البدوي، قيل أنه دفن في مكة، وقيل إنه مدفون في ضريحه في مصر، واختلف القائلون لكن هذا حال الأولياء.
4 تعليقات