فنون

علي الغزولي في “زاوية”.. فنان السينما التسجيلية يوثق مصر الأُخرى

عرضت أفلامه ضمن برنامج "عن الصورة والمؤسسات"

عرضت سينما زواية، أمس الأحد ضمن برنامج “عن الصورة والمؤسسات: عروض من أرشيف الفيلم المصري القصير”، أربعة أفلام قصيرة من أعمال المخرج علي الغزولي، هي “صيد العصاري”، “الريس جابر”، “حكيم سانت كاترين” و”حديث الصمت”.

برنامج “عن الصورة والمؤسسات” يتناول الأفلام القصيرة التي إنتاجها في مصر، منذ خمسينات القرن الماضي، خارج إطار السينما التجارية، ويعرض أفلام تم إنتاجها من قبل المركز القومي للسينما، والقطاع الاقتصادي باتحاد الإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى مؤسسات أخرى، يستعرض من خلالها تجارب أبرز المخرجين المصريين مثل علي الغزولي، وهو فنان تشكيلي، بدأ احتراف العمل السينمائي كمصور ثم أخرج عددا من الأفلام التسجيلية منذ ثمانينات القرن الماضي.

تنتمي الأفلام القصيرة الأربعة إلى نوع الدراما التسجيلية، وتم إنتاجها في سنوات الثمانينات حتى العام ١٩٩٠، وهي جميعها تعرض للحياة في مناطق خارج المدن، وخارج الحضور الكثيف للصورة السينمائية المعتادة في الذهن، وتتناول شخصيات مهمشة ومنسية أو أقل حضورا في الفنون البصرية، خاصة في تلك السنوات، كما أن العمل التسجيلي دون إعادة تكوين الشخصيات دراميا، أي تحويل القصص والحكايات إلى أفلام روائية، بل البحث عن كوامن مؤثرة في الشخصيات الحقيقية  ذاتها ومشهديات ذات عمق درامي في الممارسات الحياتية اليومية، يمنح أفلام علي الغزولي حضورا جماليا صادما، سواء من حيث القصص والحكايات والمروية في الأفلام بسلاسة درامية تبدو وكأنها قصص منسوجة بعناية وباختيار دقيق للشخصيات ولتسلسل الأحداث، أو من حيث الكوادر والصور السينمائية الغريبة عن المتداول في تلك السنوات، أو لطبيعة القصص والحكايات المروية نفسها، ودهشة أنها تعرض لحيوات موازية لحياة الناس في المدن، وتختلف نوعيا عن الحياة اليومية المتعارف عليها، والمعروضة في الإعلام بكثافة.

تتميز أفلام علي الغزولي ببناء سيميائي للعلامات في مفرداتها السينمائية، فهو يبني قصصا يختار شخصيات ذات ثقل درامي،و يكشف من خلالها الحياة الفريدة للمجموعات السكانية في المناطق التي قصدها، ويروي من خلالها الحكايات، ويبني قصص موازية ومتلاحمة مع القصة الرئيسية في الفيلم، ما يجعل الأفلام محملة بإشارات إنسانية عميقة، تفتح الدلالات مع الكوادر السينمائية المتماهية مع البناء السيميائي للقصة الرئيسية، ويبرز ذلك أكثر في فيلم “الصمت” الذي يعرض للعمارة في منطقة الواحات، متتبعا زفة الحج، لكهل عائد من الحج، بينما يروي السرد من خلال طفل يتنقل بين تجسسه على فتاة تسبح في بركة ما، وسعيه لزفة الحج، وتداخل مشهديات لشاب يقطع الصحراء والاستعدادات في بيت الحاج لاستقبال زفة الحج، ويختم الفيلم باستعراض بانورامي للعمارة من دون أشخاص أو أصوات سوى الموسيقى التصويرية، بزواية كاميرا من الأسفل. البناء السيمائي يحضر في الأفلام الأخرى لكنه ضمن سرد الحكايات والصور أكثر من كونه استدعاءات لحكايات موازية، مثل فيلم الريس جابر، والذي تُسرد حكايته عبر صانع مراكب يحكي عن الريس جابر، الذي سافر لدولة عربية عمل فيها لسنوات واستطاع جمع المال الكافي ليبني مركبا، يعود به لمهنته الأصلية كصياد، بعيون صانع المراكب وصوته نراه وهو يصنع المركب للريس جابر ويحكي حكايته، يساعده في ذلك حفيده الذي يلازمه كلب طوال الفيلم، الصداقة الحميمة بين الكلب والطفل، والمتوترة والحميمة في آن -بسبب الكلب- بين الجد وحفيده، تجعلنا نسمع ونرى أكثر من حكاية الريس جابر، بل حكايات صانعي المراكب في الميناء، الجد والحفيد، والكلب أيضا. وفي فيلم “حكيم سانت كاترين” تتركز الشخصية الرئيسية أكثر، معالج الأعشاب أحمد منصور، الذي يمثل شخصية مركزية في منطقة سانت كاترين، ونرى من خلاله أوجاع الناس وأمراضهم التي تعبر عن حياتهم الاجتماعية، ومن خلال سرد معالج الأعشاب وقدرته على العمل في هذه المنطقة نتعرف على سانت كاترين العائدة من الاحتلال الإسرائيلي، قبل سنوات. يتكثف السرد الدرامي في “صيد العصاري” ويبدو الفيلم وكأنه روائي تماما، بسبب البناء السردي المتماسك، وزاويا التصوير، التي لم يكن من السهل تنفيذها، في إحدى عيون الواحات، خاصة مع كاميرا ٣٥ ملم، التي تم بها تصوير جميع الأفلام. الفيلم مروي من خلال طفل يعيش مع عائلته وأهله الصيادين، وهو طفل استطاع التغلب على جميع المصاعب والتحديات اليومية التي يواجهها في تلك المنطقة، فهو يتنقل بذاته في المنطقة بمركب صغير، يوصل به أخته، يذهب به للمدرسة ويعود منها، يتغلب على عسر التنقل هنا، يجلب الماء، يصيد البط، يدرس في الخلاء، يجلب الحشائش، ونرى تفاعله وحواره مع عائلته.

يقول علي الغزولي بأنه أراد التوثيق لهذه المناطق بسبب توقعاته للتحولات العمرانية والطبيعية والديموجرافية لها في سنوات لاحقة، كما يحدث فعلا، وهو بحث في هذه الأماكن اختاره كجزء أصيل من طبيعة وتاريخ مصر وأهلها.

الوسوم
إغلاق
إغلاق