فنون
“في الظل”.. معرض تشكيلي لجماليات المهمل
يتناول المعرض الجماليات خارج دائرة التركيز التي تكاد تكون ماتت من العاديّة خلال الحياة اليومية

يتواصل المعرض الفردي “في الظل” للتشكيلي معتز الإمام، بجاليري أُبونتو، بالزمالك، حتى منتصف يناير الجاري، ويتضمن المعرض ٤٨ لوحة بمختلف الأحجام، اشتغل فيه الإمام على المهمل والمنسي، ووجّهه إلى “أولئك الناس والموجودات الذي عرفوا قيمة ذواتهم الداخلية فانغمسوا فيها فرحين. المخلوقات والأماكن واللحظات الدافئة البعيدة عن أضواء الكرنفال”.
المعرض من إعداد الفنانة والمصممة مي ينّي المتخصصة في التصميم الداخلي، مع اهتمام خاص بنظرية الألوان، حيث قامت بتوزيع اللوحات على امتداد فضاءات وغرف الطابق العلوي لجاليري أُبونتو، بحيث شكلت رؤية واضحة وفي تناغم بصري مريح.
يتناول المعرض الجماليات خارج دائرة التركيز، التي تكاد تكون ماتت من العاديّة، خلال الحياة اليومية، يقول الإمام إنه يقوم بإحيائها، وهو يتبنّى لهذا سياقا فنيا أقرب إلى المفهوم الذي طرحه الشاعر السوداني الراحل محجوب شريف بـ”إعادة الساكن والمهمل والمركون من الخير في قلوب الناس والأماكن”.
ويصف العادية بأنها “فعل البطولة” الذي يقصده ويحتفي به في هذا المعرض، ويرى أنه في اللافعل والثبات والأماكن الخفيّة والماديات الصغيرة هناك بطولة أخرى، يقول بأنه حرص أن لا يبدو بطلا على عمله الفني، بحيث ينكشف أكثر من الأعمال التي يقدمها، ومن البطولة التي في اللوحات.
درجات الألوان في هذا المعرض ترمز إلى الخفاء في الموضوعات، ليست ألوانا مباشرة وصاخبة، بحيث لا يميل إلى الألوان الرئيسية، ولا حتى الألوان الفرعية، بل يستخدم الدرجة الثالثة من الألوان عبر مزج لونين فرعيين، فـ”درجات الألوان وعلاقاتها موجودة أيضا في الظل اللوني”، كما يقول، وقد توصّل إلى هذه الألوان عبر محاولته المستمرة لتأسيس عائلات لونية تميّزه، فهي ليست فكرة مسبقة وكذلك ليست وليدة حديثا، بل من خلال تراكم، وتعبّر عن المشاعر والأفكار التي لازمته أثناء رسم المعرض، ويوضّح أنه بطبيعة الحال هناك عدد بسيط من اللوحات خرج عن فكرة الظل خلال الرسم، قال إنه قام باستبعادها من المعرض.
معتز الإمام تشكيلي سوداني، يقيم في القاهرة، تخرّج في كلية الفنون الجميلة بجامعة السودان، وخلال أكثر من عشر سنوات شارك في عدة معارض جماعية، وعُرِضت أعماله في عدة دول بقارات أفريقيا وأوربا وآسيا، وهو يقيم معرضا فرديا كل عامين. يصف الناقد التشكيلي محمد خضر، الإمام بأنه أحد الفنانين الذين يزدادون مع الوقت رزانة وثقل وصقل، ويقول “هو في حالة صعود مستمر.. وواضح أنه غير مستقر وعدم استقراره لمصلحة مشروعه الفني”.
ويرى محمد خضر أن في هذا المعرض هناك امتياز باستخدام المساحات الفراغية، وهذا جديد في مسيرة معتز الإمام، الذي كان يشغل كل المساحات بكثافة لونية. أيضا استخدام الشخوص مختلف هذه المرة، فهي شخوص مطموسة، ملامحها غير واضحة، لكن حاضرة أيضا بتفاصيلها وبمعالجاتها اللونية، هناك حضور للطبيعة الصامتة أيضا لكن الأقوى فنيا في هذا المعرض هو الشخوص.
وحول موضوع المعرض يشرح معتز الإمام بأن الموضوعات تتولد لديه بالتجربة، بحيث لا يقوم بتحديد الموضوع لأن ذلك يجعله حِرفيّا، على حد قوله، كذلك فهو لا يدخل التجربة مغيّبا تماما عن الأفكار والمعارف، “إنما الوعي يتناوب مع العقل الباطن، والإحساس، والمزاج الشخصي، والجو العام الذي أكون فيه…” وتتفاعل هذه العناصر مع بعضها، خاصة أن الفنان المحترف هو في تجربة دائمة، داخل مرسمه. يقول الإمام إنه يحاول أن يكون ملطّفا بالإنسانيات؛ الفنون والآداب والفلسفة، والتراث، ومعايشة الناس، وتشكّل المرجعية الفنية جزءا بسيطة من خلق الموضوع، فهو يرى أن الفن يبدأ ميتا، والفنان حين يدخل إلى تجربته، لا يدخل بعنفوان ذلك المجهز بالخبرة والمعرفة الفنية والذوق السليم، بل في قمة درجات ضعفه الإنساني، في الممارسة الفنية والبحث القَلِق والمستمر، يقول الإمام بأن تراكم الخبرة في الفنون يجعلنه يدخل إلى التجربة بصورة أضعف من التي سبقتها، حيث تحضر إليه ثقافته، ومعارفه، وذاكرته البصرية، وتحضره مفردات مختلفة حتى من طفولته وذاكرته البعيدة، ولهذا يحذف ويضيف ويولّد ويستبعد ما يعطّله، ما يستلزم جهدا ذهنيا كبيرا، يقول الإمام “في الواقع أبحث عن ذاتي أثناء ذلك”، “وربما لا أدرك تماما كامل دلالات المحتوى الفني للعمل الذي أنجزه”، “وحين أنتهي من اللوحة ربما أكون الأكثر اندهاشا بها، والأكثر شك بشأنها”، ثم يقوم بعملية تنقيح وفقا للمعارف التي يمتلكها.