فنون

في رواية أحمد سمير الجديدة.. الكل كان قريبا من البهجة لكن أحدا لم يصل!

إذا كنت من هواة فن “الموزاييك”، وتحب تجميع القطع الفنية الصغيرة لتكّون لوحة كبيرة متعددة الألوان، نقترح عليك أن تقرأ الرواية الجديدة لـ أحمد سمير “قريبا من البهجة”..

[us_separator type=”invisible”]
أحمد سمير يوقع روايته الأولى “قريبا من البهجة”

“قريبا من البهجة” في تكوينها وشخوصها والأثر الذي تتركه عند نهايتها، تشبه إلى حد كبير تجميع قطع الموزاييك، فكل شخصياتها تربطهم صلات، لكن تلك الصلات لا تتضح للقارئ المتعجل، بل يجب أن تقرأ من البداية وتستدعي تركيزك وذاكرتك، لإنه لا معلومات سهلة هنا، يجب أن تبذل مجهودا، ليس كبيرا، لكنه مجهود يعتمد على التأني، والتركيز، والقدرة على الربط، وقبل كل ذلك مساحة للتفهم؛ حيث ستجد نفسك وجها لوجه مع شخصيات تحتاج منك إلى أن تفهمها لا أن تحكم عليها، بما في ذلك شخصية الراوي نفسه، الذي تحدث عن الجميع، واقتطع من حياة الشخصيات ما يؤكد على وجهة نظره فيهم، وبعد النهاية، ستجد نفسك أمام الراوي، لتكتب قصته أو تتجاهله وتحاول استكمال الناقص من حياة 34 شخصية، في رواية كُتبت على غرار “مرايا” و”ميرامار” لنجيب محفوظ.

وقع الكاتب الصحفي أحمد سمير روايته الأولى “قريبا من البهجة” في مكتبة الشروق، بميدان طلعت حرب، مساء السبت 16 ديسمبر الجاري، أدارت النقاش الإعلامية سارة حازم، بحضور عدد كبير من الصحفيين، كما حضر أيضا الناشر إبراهيم المعلم. أجرت منطقتي وسط البلد مقابلة مع سمير قبل أيام من حفل التوقيع.

[us_separator type=”invisible”]

الكل كان “قريبا من الجنة” لكن لم يصل أحد

أحمد سمير صحفي من مواليد 1981، بدأ العمل بالصحافة منذ 2005 بجريدة الدستور، وكتب للعديد من الصحف، وحصل على جائزة أفضل مقال سياسي لمرتين متتاليتين من نقابة الصحفيين عامي 2014، 2015، كما صدر له كتابين عن دار الشروق أيضا، الأول بعنوان “مانشيتات يوم القيامة” و “احمد 1981″، وهو أقرب إلى السيرة الذاتية.

لا تدور هذه الرواية حول “حدث” بعينه، لا شخصيات رئيسية وأخرى ثانوية، ليس هناك حبكة تنفرج خيوطها في النهاية، لكن هناك صراع للوصول إلى “البهجة” يفشل فيه كل شخوصها، الذين حاولوا واقتربوا لكنهم ببساطة لم يصلوا، وليس لـ “البهجة” هنا مفهوم واحد، فكل شخصية من الشخصيات الـ 34 بالإضافة إلى الراوي الذي يتحدث عن الجميع، ترى “البهجة” من زوايا عديدة، لكن ربما القاسم المشترك بين الكل هي إن تلك البهجة “الحلم” مرتبطة بشكل أو بآخر بالوطن، بمصر في السبع سنوات الأخيرة، لكن لكي يصلنا سعي هؤلاء نحو “البهجة” في السنوات الماضية، كان على الكاتب أن يرجع لتاريخ العديد من الشخصيات حتى الطفولة، لنعرف إلى أين وصلوا، ولماذا فشلوا.

قال سمير لـ “منطقتي وسط البلد” عن عنوان روايته “قريبا من البهجة”، كان هناك حلم عند مجموعة ضخمة من الناس بزوايا مختلفة “ناس كان حلمها يونيو، ناس كان حلمها يناير، ناس حلمها وجود السيسي، الخلافة، والأحلام كانت في شكل جنة، فيناير بالنسبة للبعض كانت ستؤدي إلى جنة، والخلافة ستؤدي إلى جنة، ويونيو ستؤدي إلى جنة، المهم إن كان فيه جنة متخيلة عند كل الأطراف.. الناس كلها كانت بتسعى نحو البهجة والاقتراب منها كان يتطلب إنهم يحاربوا، وفي الاخر محدش وصل لأي حاجة..”

كل شخصيات رواية “قريبا من البهجة” تتقاطع حياتهم بعضهم البعض، وتربطهم صلات وثيقة بالراوي “وائل”، صحفيا، ينتمي إلى يناير، أما عائلته وأصدقاؤه وزملائه فهم مزيج من كل التيارات التي ظهرت خلال السنوات الماضية: ثوار يناير، منتمين إلى الإخوان المسلمين، أو محبين لهم، مناصرو مرسي، وكارهوه، مناصرو السيسي، وكارهو حكم العسكر، حزب الكنبة، ضباط أمن الدولة، البلطجية، والمتحولين، وآخرين، في بانوراما عريضة تشكلها مجموعة من الشخصيات ترسم لوحة واحدة في النهاية، لكنها متعددة الألوان.

لا مثالية هنا في البحث عن البهجة، على العكس تماما، البعض منهم انتهج العنف في طريقه إلى “الجنة المنشودة”.

يقول سمير إن الشخصيات “كانت ماشية عكس الاتجاه، بعضهم كان يسحق الآخرين علشان البلد تبقى آمنة، لكن الموضوع ارتد عليهم في النهاية، مكنش فيه شخصية في الرواية معندهاش حلم، ومفيش شخصية ماسحقتش آخرين وما انسحقتش من آخرين علشان يحققوا أحلام..”

[us_separator type=”invisible”]
أحمد سمير في حفل توقيع “قريبا من البهجة”
[us_separator type=”invisible”]

الرواية إهداء إلى “الله”

اهدى أحمد سمير روايته الأولى إلى “الله”، سألته ماذا تقصد؟

قال إن ما فعله الكل ليس فقط ثوار يناير، الله وحده هو من أطلع عليه “وائل الراوي شاف جزء هو ما رواه هنا، الله وحده هو اللي شاف الصورة كاملة، علشان كده كتبت الاهداء إلى الله”.

في نهاية الرواية كتب “سمير” إنه تم الاستعانة بشهادات كتبها صحفيون وناشطون عن يناير، منهم: ماجد عاطف وعمرو عزت، بالإضافة إلى مقالين للكاتب نفسه، مما يطرح سؤالا لماذا جعل روايته تقف على سيقان من أحداث حقيقية، لماذا لا تكون نسج خيال فقط؟

أجاب أحمد سمير بأنه روايته بالطبع “خيالية” ولا يوجد فيها شخصيات حقيقية “هي مش رواية نميمة أدبية عن ناس، ولو فكرت في الناس دول مش هتلاقيهم موجودين في الحقيقة، لكن فيه أحداث حقيقية بُنيت عليها قصص مش حقيقية”.

يشير سمير هنا إلى شخصية “محمود شعلان” في روايته، هذا الشخص ينتمي إلى الإخوان المسلمين، وهو إبن خالة الراوي، وقتل في النهاية عقب أخبار قيل فيها “إن الداخلية صفت عناصر تابعة للإخوان عقب تبادل لإطلاق النار” هذه الواقعة حقيقة، وقعت بالفعل، لكن الشخص نفسه من نسج الخيال.

أضاف بأن شخصيات روايته “لم يكونوا جزء من حياتي، فيه تفاصيل كتير جمعتها لغاية ما اترسمت الشخصيات بالشكل اللي ظهرت بيه في النهاية (..) حتى البناء التخيلي اللي بنيته في الأول، مش هو اللي ظهر في الرواية في صورتها النهائية، أنا نفسي مبقتش عارف في لحظة معينة إيه اللي خدته من أحداث حقيقية وإيه اللي انا ضيفته من خيالي، كله تماهي بالنسبة لي”.

غلاف رواية “قريبا من البهجة”
[us_separator type=”invisible”]

تلصص القارئ على الكاتب من خلال أعماله “ملهاش حل”

الراوي “غير العليم” في الرواية هو صحفي، واحمد سمير صحفي أيضا، هل هذا يكفي لأن نربط كقراء بينهما، ونستنتج إن “سمير” يتحدث عن حياته هو؟

قال أحمد سمير لـ منطقتي وسط البلد، من الممكن للقارىء أن يفترض إن شخصيته يمثلها الراوي، لكنه ليس أنا “محصلش اي حاجة من اللي كتبتها في الرواية مع أصحابي، ما طلقتش مراتي، كمان طريقة التعامل النفسي لوائل مع الآخرين مش طريقتي”

وأضاف إنه ليس القارىء المصري فقط هو من “يتلصص” على الكاتب من خلال أعماله، أورهان باموق تحدث عن المشكلة نفسها، عندما ربط البعض بينه وبين “العاشق” في رواية “متحف البراءة”، “معنديش أزمة في ده، هي رواية، وأحداثها متخيلة، القارىء ربما يلتبس عليه الأمر.. حاجة ملهاش حل ومهما بذلت من جهد ملهاش حل (..) إنك تدخل في معركة مع القارىء عشان تقنعه إن دي رواية مش قصة حياة الكاتب، ده صراع مع طواحين الهوا.. انا مش مشغول بده، هيفضل موجود قبلي أو بعدي”.

[us_separator type=”invisible”]

رواية في 20 شهر “وقت ضخم جدا”

كُتبت هذه الرواية في 20 شهرا، ويعتبر سمير إن هذه مدة طويلة جدا بالمقارنة بالمدة التي حددها في البداية لإنجاز مشروعه “كنت عامل حسابي أخلصها في سنة، رتبت حياتي بحيث اتفرغ للرواية واشتغل في حاجات مش بتحتاج وقت طويل.. فيه 8 شهور زيادة عن المخطط؛ لأسباب كتيرة منها أنها أول رواية ومش قادر اتحكم في الرتم، بأقف كتير وأعيد حاجات، وبعدين فترة التعديلات.. 20 شهر وقت ضخم بالنسبة لشخص متفرغ لكتابة رواية”.

“قريبا من البهجة”، رواية من القطع المتوسط، 247 صفحة، صدرت مؤخرا عن دار الشروق. تصميم الغلاف لـ هاني صالح.

الوسوم
إغلاق
إغلاق