فنون
ماكويين وكاسندرو وفتاة في البانوراما.. أسئلة الجنوسة والهوية
ضمن بانوراما الفيلم الأوروبي عُرضت ثلاثة أفلام لافتة، ليس في طبيعة مواضيعها فقط بل أيضا على صعيد الطرح الفني، فيلمان منهما تسجيليين ويُعرضان بالتوازي ويقدمان نموذجين إستثنائين في كل من انجلترا والمكسيك. في حين تدور أحداث الفيلم الثالث الروائي في بلجيكا.
ماكوين.. أيقونة الموضة
فتى نزق لا ينبئ مظهره الفوضوي بموهبة ما/ يواجه الكاميرا في بداية الفيلم ويعشق بإدمان تصوير نفسه والتوثيق للحظاته حتى قبل ازدهار وسائل التواصل الإجتماعي وما تلاها من حُـمى التسجيل للحظات حياتنا. وما كان لهذا الفيلم أن يخرج بهذا الثـراء لولا التوثيق المفرط لماكوين لنفسه وبنفسه.
يرصد الفيلم رحلة حياة أيقونة الموضة ألكسندر ماكوين. الذي جاء من ضواحي لندن قبل أن يجوب العالم ويصير مصمما لبيوت أزياء عالمية مثل جوتشي وجيفينتشي وقبل أن ينشأ علامته التجارية الخاصة. ويحاول الفيلم تشريح علاقته بجسده سواء بخصوص ميوله الجنسية أو تقبله لبدانته. عانى ماكوين في علاقته العاطفية ولم يبد سعيدا بعد إنقاص وزنه بشكل لافت، تقول عنه سارة بورتون المدير الإبداعي لدار أزيائه بعد وفاته :”حسه الإبداعي الخارق انعكس على البراعة الفنية في تصاميمه غير المسبوقة التي تحدى بها تقاليد الموضة، وعلى القوة الدراماتيكية في عروضه التي تضمنت تجهيزات فنية رائدة وفنونا استعراضية آسرة، تميزت رؤيته بالجرأة الفريدة، وبهوسه بجمال الطبيعة ووحشيتها”، لذا لا غرابة أن يكون معرضه الإستيعادي الذي احتضنه متحف الميتروبوليتان للفنون في نيويورك بعنوان “الجمال الوحشي”. وهو ما يلائم
عناوين عروضه أثناء حياته “مسرح ماكوين للقسوة” و”الطيور”. والتي جعل الفيلم منها عنوانا لفصوله، حتى أنه يوثَّـق لأكثر عروض ماكوين شهرةً لربيع وصيف 2001 والذي تضمن عارضةً بدينة عاريةً تجلس على أريكةٍ ضمن صندوقٍ زجاجي مليء بالفراشات وترتدي قناعًا للغاز. في سخرية منه لمقاييس الجمال التي يكرِّس لها عالم الموضة.
اتسمت تصميمات ماكويين بالأناقة والغرابة معا واستخدم موادا غير مألوفة كأكياس البلاستيك، وهو مبتكر البنطال ذي الوسط الساقط bumster pants .
ويعد تجسيدا لروح ما بعد الحداثة في الفن في الألفية الجديدة، فقد اتسمت جميع عروضه بالغرابة والابتكار، فجعل انسانين آليين يقوما برش فستان عارضته بالألوان أمام جمهوره، كما أشرك في أحد عروضه الممثلة والعارضة مبتورة القدمين آيمي مولينز، حين قدمت تصميمه بساقيها الخشبيتين.
يحاول الفيلم الغوص في ما وراء كل هذا في حياة ماكويين العائلية كعلاقته بأمه وتحرش زوج أخته به وهو صغير، وكذلك احباطاته العاطفية وشهادات رفقائه الذين أكدوا حساسيته الشديدة وغيرته المفرطة وشعوره الجارف بالاغتراب على اجتماعيته البادية. وشارك بالفيلم كل أصدقائه وأهله الذين عاصروه قبل أن ينتحر في العام 2010 بعد تدوينة له على تويتر حوت كلمة RIP وتعني تهتك أو تمزق.
* تم عرض الفيلم في مهرجان هوت دوكس 2018، ورُشِّح لأفضل فيلم تسجيلي في مهرجان تريبيكا السينمائي 2018، منا تم ترشيحه لجائزة آرت سينما في مهرجان هامبورج 2018.
أما الفيلم الثاني فهو كاساندرو الأكزوتيكو فهو عن مصارع حر متحول جنسيا، سعى لانتزاع الاعتراف بجدارته على الحلبة رغم عملياته التي أجراها على مدى 27 عاما وذلك بعد تحوله جنسيا بعد أن كان امرأة.
اللافت في الأمر أن كاساندرو (وعلى خلاف بطل الفيلم السابق) هو المتحدث الوحيد في الفيلم، وهو اختيار فني لافت من مخرجة الفيلم ماري لوزيه التي تتبعته في جولاته في فرنسا وإيطاليا والمكسيك، وربما شكل المتحدث الواحد تحديا لها بالأخذ في الاعتبار ما قد يتولّد من ملل بوجود شخص واحد يتحدث طوال الفيلم، لكنها تجاوزت هذا بمعالجة خلاقة دمجت فيها بين طبيعة المكسيك وتراث ثقافة كاساندرو المسيحية وما بها من طقوس وشعائر، كما استفادت من أشعات وصور عملياته الجراحية، وعروضه الترويجية لمباراياته التي سيرتدي فيها أزهى الملابس، وكذلك خضوعه لجلسات التصوير لبوستراته الدعائية، وحرصه الشديد على التبرج والاهتمام بشعره الطويل ومظهره، فلا تعلم إن كان ذلك من دواعي مهنته التي تعتمد على الاستعراض وتحتاج للتأنق والترويج، أم أن مسلكه هذا هو من بقايا عاداته كامرأة؟!
الفيلم يسجل أيضا لحظات ضعف كاساندرو وانهياراته ويتابع عمله حتى الآن كمدرب مصارعة حرة لم يرتد قناعا مطاطيا يعتبره المصارعين امتدادا لشرفهم فيكون من العار أن ينزعه أحدهم عنه في الحلبة، لكن ثمة احساس بأن تبرُّج كاساندرو هو الآخر قناع يرتديه ولا يريد التفريط فيه، شكل من أشكال التخفي رغم أنه إعلان صاخب عن الذات الجديدة التي اختارها بعد أن كان امرأة جميلة.
“أحب الرجال.. لكن يجب أن تكون الرجل المناسب”
يقولها كاساندروا وهو يتمم وضع مساحيقه على وجهه قبيل إحدى المباريات.
* تم عرض الفيلم في إطار برنامج أسيد بمهرجان كان السينمائي 2018.
الفيلم الثالث روائي بعنوان “فتاة” عن لارا الفتاة التي تلعب الباليه والتي تكتشف أنها سجينة جسد صبي حتى بلغت 15 عاما. فتقرر بدعم من والدها أن تتحول جنسيا وتتحول من فيكتور إلى لارا، وتجعل من يوم توقيعها على وثائق التحويل تلك يوما لعيد ميلادها.
الأمر لن يكون ببساطة ثقب أذنها بنفسها ووضعها قِـرطا بفص صغير بها في مفاجئة للأب الذي تطمئنه مادام لم يدميها. سيكون عليها تحمُّـل المزيد من الألم النفسي قبل البدني لاحقا.
تخضع لارا لكورس علاج هرموني قبل إجراء العملية من المتوقع أن يستمر سنتين على الأقل، وتبدو سعيدة في كل زيارة لطبيبتها ولمعالجها النفسي، وتنتقل هي وأسرتها لحي جديد ولبداية جديدة، كما تلتحق بمدرسة باليه جديدة في ظل تخوّف إدراتها من استقبال فتاة بحالتها.
جسد لارا لا يطاوعها ولا يستجب لجرعات العلاج الهرموني التي ترفض الطبيبة زيادتها، لازال صدرها أملس لا يريد أن يزدهر بأي شكل، كما تعاني من تذبذب أدائها في المدرسة وعلى المسرح، عليها أن تأكل أكثر لكي يتحمل جسدها التغيير، ودواعي عملها تلزمها بحد معين من الوزن، وقدميها دائمتا النزف جراء قسوة التدريبات.
الفتاة الخجول عليها أن تختار بين حلمها في أن تصبح راقصة باليه وبين حلمها أن تصير فتاة.
فتقرر الانتصار للفتاة خاصة بعد أن تعرضت للإذلال من قبل زميلاتها في إحدى المعسكرات حين يرغمنها على التعري أمامهم.
- توقفن.. تقول لارا
- لما لا؟؟ أنتي تشاهديننا في الحمام وفي المسبح ونخلع أمامك ملابسنا بكل حرية.
- توقفن.
- هيا إنه عيد ميلاد صديقتنا .. ولم تر جسد صبي من قبل.
- توقفن. (متوسلة إليهن)
- لم الخوف منا؟ نحن نعاملك كفتاة فاخلعي ملابسك مثلنا، أم انك ما زلت صبيا وتريدين أن نعاملك كفتى؟
تخلع لارا ملابسها وتتعرى أمامهم فيديرون ظهورهن لها بعد نظرة انتصار عليها.
تكف لارا عن الذهاب للمدرسة وتقرر ترك الباليه، وكما يليق بامرأة مستقبلية تنجح في إعداد عشاء رأس السنة لأسرتها. لتقرر صبيحة اليوم التالي أمرا ما بعد نزول أبيها للعمل وأخيها للمدرسة. فتتصل بالاسعاف وتترك باب شقتها مفتوحا. وتبرد جسدها بكيس من الثلج قبل أن تمسك بالمقص لتُدمي أسفلها.
يتم اسعافها وبعد فترة نراها تمشي واثقة الخطوة بتسريحة شعرٍ أقصر، لكم بقرط أكبر يتدلى من أذنيها.
* حصل الفيلم على جائزة الكاميرا الذهبية وجائزة أفضل أداء تمثيلي بمهرجان كان الدولي 2018.
* عُرض في البرنامج الرسمي بمهرجان تورونتو السينمائي الدولي 2018.
124 تعليقات