كل شيء عن
كل شيء عن تمثال الخديوي إسماعيل
❱❱ «القاهرة» تتراجع عن نقل «تمثال الإسكندرية» وتكليف «الآثار» بتصميم واحد جديد
❱❱ الجالية الإيطالية جمعت تبرعات قيمتها 13 ألف جنيه عام 1927 لصناعة تمثال للخديوي في روما
❱❱ تمثال إسماعيل يقف وراء سر القاعدة الحجرية وهدم مسجد«الشيخ العبيط» بميدان التحرير
❱❱ «سك العملة» في التسعينات طلبت صهر التمثال وتحويله لعملات معدنية!
أخيرا، وبعد سنوات طويلة من النسيان، قررت محافظة القاهرة إقامة تمثال لمؤسس القاهرة الحديثة ومنطقة وسط البلد الخديوي إسماعيل، ورغم أنه أول من اهتم بتجميل الميادين وإقامة تماثيل بها، إلا أن تمثاله هو شخصيا راح ضحية للعديد من الصراعات السياسية ووضع بالمخازن لسنوات طويلة.
وللخديوي إسماعيل عدة تماثيل نصفية، وبالقاهرة الخديوية تمثالان الأول بقصر عابدين، والثاني بالمكتب الرئيسي للبريد، وهناك تمثال واحد بالحجم الطبيعي بالإسكندرية بدأت قصته عام 1927م خلال زيارة الملك فؤاد لإيطاليا، نحكيها هنا بالتفصيل..
تمثال الجالية الإيطالية
رحبت الجالية الإيطالية بزيارة الملك فؤاد وأرادوا تخليد هذه المناسبة وناقش القنصل الإيطالي في الإسكندرية الكونت لاغروسي مع كبير مهندسي القصور الملكية فيروشي باي رغبة الجالية الإيطالية واتفاقا علي صناعة تمثال للخديوي إسماعيل، كتذكار الصداقة المصرية الإيطالية .
أعطى الخديوي إسماعيل للإيطاليين اهتماما كبيرا من توليه الحكم، فاستعان بهم في العديد من المشروعات العمرانية، فضلا عن النحاتين والفنانين ومن بينهم فيردي التي تنسب له أوبرا عايدة، كما اختار الخديوي إسماعيل السفر إلي نابولي بإيطاليا كمكان للمنفي ،عقب الضغط الفرنسي والبريطاني بعزله وأعد له الملك امبرتو قصراً ليسكنه هو وأسرته.
بدأ الكونت لاغروسي بجمع التبرعات من المجتمع الإيطالي في الإسكندرية وبلغت التبرعات 13 ألف جنيه بعد أيام قليلة، وسافر لاغروسي إلى إيطاليا لصياغة التمثال واختار المثال بيتروكانونيكا لصناعته ولم تكتمل صناعة التمثال، إذ لم تكف التبرعات لإنجاز المشروع، ومر وقت طويل علي مناسبة الزيارة الملكية وأرسلت الجالية الإيطالية ما يكفي لإتمام العمل بالتمثال وانتظروا لاختيار توقيت مناسب للاحتفال وجاء بزيارة الملك إيمانويل وملكة إيطاليا إلى مصر في أوائل عام 1933.
صنع تمثال الخديوي من البرونز بطول 3 أمتار ونصف وتم صبه بمسبك كانويكا بضواحي روما، وصور النحات الخديوي إسماعيل يقف شامخا، مستندا على مقبض سيفه ويشير بإصبعه.. ويتسم التمثال بالجمود والسلطوية وهي أحد مظاهر الحقبة الفاشية في إيطاليا، ويتوسط تمثال الخديوي إسماعيل نصب تذكاري مصنوع من الرخام الأبيض، صنع في محاجر كرارة بإيطاليا، وجاءت قاعدته الرخامية كقطعة فنية كما تزين محيط التمثال بأعمدة ونقوش وتيجان وحلى برونزية فضلا عن الدرج الأمامي للمنصة.
اختار كبير مهندسي القصور الملكية إرنستو فيروتش العمارة الرومانية بالإسكندرية كموقع لتمثال الخديوي إسماعيل، وأقام الممر الباروكي الجديد على الكورنيش حول تمثال الخديوي إسماعيل ودفعت البلدية بالإسكندرية 5400 جنيه مصري لتزيين المنصة بالأعمدة المزخرفة وتركيب الرصيف والمصابيح وتطوع عدد من المهندسين والبنائين الإيطاليين بالقيام بأعمال البناء والتركيب ووضع التمثال علي منصته في أكتوبر 1935م .
3 سنوات والمجتمع الإيطالي ينتظر لاحتفال برفع الستار عن التمثال والذي تأخر بسب توتر العلاقات البريطانية الإيطالية بعد غزو إيطاليا لإثيوبيا، وفي تلك الفترة زادت مخاوف مصر باحتمالية التعبئة الإيطالية على الحدود المصرية، فضلا عن مخاوفها علي مصادر نهر النيل وجاءت وفاة الملك فؤاد، وتولي ابنه فاروق كأحد العوامل التي تسببت في تأجيل الاحتفال.
الملك فاروق يرفع الستار عن تمثال جده
في اليوم الرابع من شهر ديسمبر عام 1938م أزاح الملك فاروق الستار عن تمثال جده، وسط احتفالية كبيرة نظمها المجتمع الإيطالي بالإسكندرية، بحضور رئيس الوزراء محمد محمود باشا والأمير محمد علي ومحمد حسنين باشا وعلي ماهر باشا وغيرهم من رجال الدولة، كما شارك الاحتفال كافاليري لويجي فيدريزوني ممثل حكومة ملك إيطاليا، وإمبراطور إثيوبيا، والكونت سيرافينو ماتسوليني الوزير المفوض من الحكومة الإيطالية الملكية في مصر، وقنصل الحكومة الإيطالية الملكية سيلفيو كامراني.
صورة نادرة لتمثال الخديوي إسماعيل بميدان المنشية (الجندي المجهول) على كورنيش مدينة الإسكندرية – 24 مارس 1941 – توم بايزلي/فليكر
قاعدة حجرية بميدان التحرير
أنشأ فاروق تمثال لوالده بميدان عابدين، بعدما قرر ربطه بميدان التحرير من خلال توسيع الشارع الذي يصل بينها، وإقامة تمثال لجده الخديوي إسماعيل في ميدان التحرير، كما قرر هدم مسجد الشيخ العبيط الذي صبغت المنطقة باسمه وإنشاء مسجد جديد، إلا أن هذه المشروعات لم تكتمل بسبب قيام ثورة يوليو 1952، وبعد سنوات بُني مسجد عمر مكرم واتصل ميدان التحرير بميدان عابدين، وبقيت قاعدة التمثال في موقعها حتي السبعينات وطالبت هيئة مترو الأنفاق بإزالتها لتتمكن من أعمال الحفر ووضعت بأحد المخازن .
في عام 1964 أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قراراً جمهورياً بتحويل موقع تمثال الخديوي إسماعيل بميدان المنشية، إلى نصب تذكاري للجندي البحري المجهول، وتسليمه إلى قيادة القوات البحرية وفي 25 يوليو 1966 قرار محمد حمدي عاشور الذي شغل منصب محافظ الإسكندرية نقل تمثال الخديوي إسماعيل ووضعه بالفناء الخلفي لمتحف الفنون الجميلة بمحرم بك، كما أزيلت الكتابات الخاصة بالجالية الإيطالية من الموقع وكتبت باللغة العربية والإيطالية .
وعقب رفع تمثال الخديوي إسماعيل من موقعة بميدان المنشية تعرض للتلف في بعض أجزاءه، وتقدمت مصلحة سك العملة عام 1996 بعدة طلبات للهيئة الإقليمية لتنشيط السياحة بالإسكندرية، لصهر تمثال الخديوي إسماعيل وتمثال نوبار باشا وتحويلهما إلي عملات معدنية الأمر الذي أغضب الإيطاليون فتقدمت الحكومة الإيطالية بطلب لشراء التمثال ووضعه في أحد ميادين روما .
نيران سك العملة تلتهم مسؤولي الثقافة!
تقدمت النائبة الراحلة وداد شلبي نائبة العطارين واللبان باستجواب عاجلًا لفاروق حسنى، وزير الثقافة في ذلك الوقت، تطالبه بوقف هذه المهزلة، وخرجت رسوم الكاريكاتير توضح نيران التمثال وآثارها علي فاروق حسني فسحبت مصلحة سك العملة طلبها، وبدأ التفكير في البحث عن ميادين لنقل التمثالان.
وتقدم المهندس ياسر سيف رئيس الجمعية الدولية للبيئة والثقافة بمذكرة عاجلة لوزير الثقافة ومحافظ الإسكندرية، طالب فيها بإجراء الصيانة اللازمة للتمثالين، ونقلهم لمكانهما الأصليين كما تقدم عصمت داوستاشي المشرف على المعارض العامة للفنون الجميلة بالإسكندرية بطلبات للمحافظة وللبحرية لإعادة التماثيل في مواقعها الأصلية، وأيضا أطلع المجلس الأعلى للآثار على دراسة جدوى للمشروع برمته ومع استقالة داوستاشي من متحف الفنون الجميلة تم نسيان مشروع نقل التماثيل.
عمل اللواء عبد السلام المحجوب محافظ الإسكندرية الأسبق، علي مشروع نقل تمثال الخديوي إسماعيل ووقع الاختيار علي كوم الدكة خلف المسرح الروماني لوضع تمثال الخديوي، وتم تجديد المنطقة بإنشاء ساحة عامة ورصفها بالرخام وتشجيرها ووضع بعض المقاعد الرخامية الكلاسيكية بها حتي تتناسب مع تمثال الخديوي الذي صممت له قاعدة علي شكل هرمي من مستويين وزين الجزء السفلي بطبقة من أربعة أهرامات مصغرة، وظل على هذه الحال حتى الآن.■
تعليق واحد