ملفات
القاهرة الخديوية “حي النجوم”.. تعرف على عمارات المشاهير في وسط البلد

تضع الجهات العالمية المختصة بالتراث المعمارى، ومن بينها الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، تعريفًا يتضمن الشروط الواجب توافرها في المباني حتى يتم اعتبارها مباني تراثية، ويمكن تلخيص هذا التعريف للمباني التراثية بأنها الأبنية والعقارات التي تمتاز بطراز معماري فريد يمثل حقبة مهمة من تاريخ الفن والعمارة، ويشكل تصميمه إبداعا متفردا لمعماري أو فنان محلي أو عالمي، للدقة، هذا جزء من تعريف المبنى التراثي، وهو المختص بالشكل، فالمبنى التراثي يجب أن تكون له قيمة تاريخية اكتسبها من ارتباطه بحدث تاريخي قومي، أو من سكنى شخصيات مهمة ومؤثرة به، فضلا عن عمره وقيمته المعنوية الاجتماعية.

إذًا، يمكن اعتبار مبنى ما ضمن قائمة المباني التراثية فقط إذا ما كان مقرا لإقامة شخصية مؤثرة، ووسط البلد تضم بين شوارعها وميادينها مئات العقارات والمباني التي تتحقق فيها هذه الشروط مجتمعة، لكنها وبشكل خاص كانت الحي المفضل لسكنى الفنانين في كل المجالات، وتحديدا نجوم المسرح والسينما في النصف الأول من القرن العشرين.
هنا فى وسط البلد، قد تجد عمارة واحدة أقام بها أكثر من خمسة فنانين وفنانات في حقبة زمنية واحدة، مثل عمارة الإيموبيليا.
أخذت الإيموبيليا شهرتها من كونها تعتبر أضخم عمارة في القاهرة الكبرى، وهى من أملاك عبود باشا أحد رجال الأعمال في خمسينات القرن الماضي، صممها المهندسان المعماريان ماكس أدرعي وجاستون روسيو، وبدأ العمل في إنشائها في 30 من أبريل 1938، وتكلف بناؤها مليون و200 ألف جنيه مصري، وكانت تكاليف الإقامة بها باهظة، حيث تراوح الإيجار حسب مساحة الشقة من ٦ إلي ٩ إلي ١٢ جنيهًا، وهو ما كان يوازي الراتب الشهري لموظف كبير في الحكومة، ولذلك لجأ ملاك العمارة إلي تقديم عرض لمن يرغب بالسكن بأن يقيم لمدة ثلاثة أشهر دون إيجار، بالإضافة إلي نشر مجموعة من الإعلانات فى بعض الصحف المصرية والأجنبية.

ولم تكن الإيموبيليا بحاجة إلي كل هذه الدعاية، فموقعها المتميز بالقرب من الشركات والبنوك وغيرها من المؤسسات المهمة، جعل العديد من مشاهير مصر في ذلك الوقت يقيمون بها، وكان نجيب الريحانى من أبرز الفنانين الذين عاشوا بتلك العمارة واستمر بها طوال حياته، وكما تشير السيدة جينا الريحانى ، فإن والدها الراحل نجيب الريحانى سكن فى الإيموبيليا فى الفترة من 1938 حتى عام 1946، وبعد وفاته بفترة تأممت العمارة، ثم تحولت ملكيتها لشركة الشمس، التى قامت بتأجير شقة الريحانى لأحد المحامين، وتضيف :”كنت دائما أسعى لتخليد ذكرى والدى، فذهبت لمكتب المحاماة وطلبت منهم وضع صور لوالدى فى أرجاء الشقة، فالصور هى كل ما تبقى لدى من مقتنيات الريحانى، بعدما باعها ابن عمى بديع توفيق الريحانى فى مزاد علنى، ، وفى عام 2008 قمت بتصوير فيلم وثائقى أيضا داخل الشقة، أخرجه المخرج الكبير محمد كامل القليوبى، حيث كنت أتجول فى كل غرفة وأشرح ذكريات الريحانى وحياته، بالإضافة لذلك فمنذ نحو عشرين عاما طلبت من شركة الشمس شراء الشقة لتحويلها لمتحف يحتوى مقتنيات نجيب الريحانى، ولكن الشركة طلبت مبلغ ثلاثمائة ألف جنيه، وهو مبلغ كبير فى تلك الفترة، وبالطبع أجلت الفكرة، أما الآن فقد تحولت الشقة إلى مخزن لإحدى الشركات”.
إلى جانب نجيب الريحانى، فهناك العديد من الشخصيات البارزة الذين سكنوا بالإيموبيليا مثل الكاتب الصحفي فكرى أباظة، وإبراهيم عبد الهادى رئيس وزراء مصر، بالإضافة إلى عدد كبير من نجوم الفن منهم وسليمان نجيب، وليلى مراد، ومحمد فوزى، وهنرى بركات، وعبد العزيز محمود، وماجدة الخطيب، كما اختارها الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب مقرا لمكتبه، وكذلك المنتجة السينمائية الشهيرة آسيا، والمخرج كمال الشيخ، والفنانة ماجدة، التى لا يزال مكتبها موجودًا بالعمارة حتى الآن، وغيرهم الكثير، وظلت الإيموبيليا كذلك حتى عام ١٩٦١، عندما تم تأميمها، ليرحل عنها أغلب هؤلاء النجوم.
هناك عمارات أخرى كانت مقرا لكبرى شركات الإنتاج السينمائي التي قدمت أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية، لدينا أيضا في وسط البلد المقر الرئيسي لشركة «أنيس عبيد» لترجمة أفلام السينما العالمية إلى العربية، ومقار مكاتب الإدارة الخاصة بالمهرجانات السينمائية المصرية، جنبا إلى جنب عشرات البارات والمطاعم والمقاهى التي طالما ارتادها نجوم السينما والمسرح في الخمسينيات والستينيات، فضلا عن دور السينما والمسرح نفسها، حتى إننا يمكن أن نقول إن وسط البلد هى حي فني بامتياز.

وها هى العمارة رقم 4 شارع مظلوم لمالكها الأول الفنان الراحل أنور وجدى، والتى لا تزال تحمل اسمه حتى الآن، فقد بنيت فى أوائل الخمسينات وسكنها العديد من نجوم الفن، مثل الفنان استيفان روستى والمخرج الراحل عثمان أباظة والمذيع الراحل جلال معوض الذى اشتهر بإذاعة بيانات ثورة يوليو، وارتبط اسمه أيضا بالبرنامج الشهير “أضواء المدينة”. وكما هو مدون فى لافتة علقت بمدخل تلك العمارة، فقد بيعت لصندوق تأمين ضباط الشرطة فى الثانى عشر من ديسمبر عام 1966، وهى تقع فى عشرة طوابق وتضم نحو 81 شقة ولها ستة مناور، ورغم إن تلك العمارة حملت اسم الراحل أنور وجدى، إلا إنه لم يسكن بها قط، وإنما سكن بعمارة الإيموبيليا الشهيرة.
3 تعليقات