ملفات
حينما كاد فريد شوقى أن يقتل أمام الإيموبيليا.. وهل ارتادها الملك فاروق ليرى كاميليا؟
شهدت قصة زواج ليلى مراد من أنور وجدى وإشهار إسلامها فيما بعد
رحلة البحث عن التاريخ الفنى لعمارة الإيموبيليا استغرقت فترة طويلة، وانتهت إلى نتيجة إنه “لا يوجد ملف بعينه يحمل اسم عمارة الإيموبيليا فى أى أرشيف سينمائي”، على الرغم من إنها واحدة من أشهر العمارات فى مصر، ليس فقط لضخامتها، لكن للعدد الكبير من الفنانين الذين سكنوها، ومروا عليها، طوال تاريخها. فى أرشيف المركز الكاثوليكى للسينما، وأرشيف دار الهلال، لا وجود لملف يحمل هذا الاسم، وعليك إذا أردت أن تجمع تاريخ “الإيموبيليا” المرتبط بالفن والثقافة، أن تعود إلى ملفات من سكنوها، وهى بالقطع هناك، لكن متناثرة بين صفحات تاريخ شخصيات مثل: كاميليا، نجيب الريحاني، محمد عبد الوهاب، عبد الحليم حافظ، محمد فوزي، مديحة يسري، أنور وجدي، ليلى مراد، محمود المليجي، كاميليا، أسمهان، ماجدة، آسيا داغر، كمال الطويل، هنرى بركات، كمال الشيخ، عزيزة أمير، ماجدة الخطيب، محمود ذو الفقار، وغيرهم، من العابرين والمترددين عليها من حين لآخر.
وفى فبراير 2010، أصدر الكاتب الصحفى محمود معروف، ضمن سلسلة “كتاب الجمهورية” كتابا يحمل عنوان “عمارة الإيموبيليا”، قال في مقدمته إنه عندما “يقرأ قصة حياة فنانة أو فنان مشهور أعرف أنه كان يسكن الإيموبيليا..”، ليس الفنانون فقط، فمعروف فى كتابه، حكى أيضا أن الملك فاروق كان يتردد على العمارة “الذى كانت تربطه علاقة بالممثلة اليهودية كاميليا، فيذهب إليها ويقضى معها “الليالى الحمراء”!
واعتبر ان “من أعجب الطرائف أن الأميرة شويكار زوجة أبيه الملك فؤاد، كانت هي الأخرى تتردد على العمارة نفسها وتلعب القمار مع بعض سكانها”.
اللافت فى كتاب “معروف” إن حكاياته استندت إلى روايات ثلاثة من حراس “بوابين” الإيموبيليا، ومازالوا على قيد الحياة، وقال أن أقدمهم: عم محمد عوض محمد حسن من دنقلة بالسودان، وعم سالم أحمد فضل الله من وادى العرب فى أسوان، ومصطفى عباس من أحد أحياء القاهرة. قبل أن نذكر القليل من تلك الحكايات أو “الأسرار” كما أسماها معروف، يجب أن نشير هنا أن المصادر التى اعتمد عليها محمود معروف فى توثيق حكايات كتابه، البعض منها سبق ونُشر فعلا بروايات مختلفة، والبعض لم يُنشر. يقول “عم عوض” لـ”معروف”:”إن الملك فاروق كان يأتى إلى العمارة بحجة زيارة أحد رجال السراء وهو اللواء أحمد باشا كامل فى الطابق الثامن، والذى كانت تسكن إلى جواره الفنانة اليهودية الجميلة كاميليا صديقة الملك، فكان يقضى بعض الوقت عند أحمد كامل، ثم ينتقل إلى شقة كاميليا، التى تقيم بمفردها، ويقضى عندها بقية السهرة حتى الصباح”.
ويروى “أقدم البوابين” لـ معروف، أن أنور وجدى كان أكثر سكان “الإيموبيليا” شجارا “كان يختلق المشاكل كل فترة، إما بسبب تعطل المصاعد نتيجة انقطاع التيار الكهربائى وخاصة أيام الحرب العالمية الثانية، والأعوام التى تلتها.. وإما بسبب إطفاء غلايات المياه التى كانت تمد الشقق بالمياه الساخنة والبخار للتدفئة أيام الشتاء”.
أما ليلى مراد، التى شهدت العمارة قصة زواجها من أنور وجدى وإشهار إسلامها فيما بعد، فعم عوض كان يراها “هادئة ومهذبة ورقيقة وتهتم بـاكتناز المال” وكثيرا ما تشاجرت مع أنور وجدى فى مدخل العمارة، وكانت دائمة الشكوى من “أصوات مكبرات الصوت التى تنطلق من المساجد المجاورة والقريبة عند آذان الفجر..”.
وعن قصة إشهار ليلى مراد لإسلامها، يقول معروف ذات يوم استيقظت من النوم على صوت المؤذن وهو يدعو للصلاة، فأيقظت أنور وجدى من نومه، فقالت: صوت المؤذن جميل.. وكلمات الصلاة لأول مرة اسمعها بطريقة مختلفة (..) ثم عادت لتقول: أنور.. عندى رغبة فى أن أشهر إسلامى وأترك الديانة اليهودية واعتنق الإسلام مثل أختى ملك.
وحسب ما يروى “البوابون” قال لها أنور وجدي: يا ليلى أنت بتحلمي.. يلا نامي.. أنا تعبان وعندى شغل بدري.. يلا تصبحى على خير.. لكنها عادت توقظه بقوة: قوم يا أنور.. بقولك عايزة أسلم. ورددت ليلى مراد الشهادة وراءه لكنها لم تنم وانتظرت حتى الصباح. كان ذلك عام .1946
شهدت “الإيموبيليا” ميلاد فيلمين “من أهم الأفلام فى تاريخ السينما المصرية”، الأول فيلم “رصاصة فى القلب”، قصة توفيق الحكيم وبطولة محمد عبد الوهاب وراقية إبراهيم وتم عرضه علم 1944.
..
ذات يوم وأثناء إحدى غارات الحرب العالمية الثانية فى صيف عام 1943، هرع محمد عبد الوهاب إلى مبنى جريدة الأهرام المجاور لعمارة الإيموبيليا، حيث يوجد بدروم ملجأ آمن يلجأ إليه الصحفيون والعمال عند الغارات. ووصل عبد الوهاب وكان فى انتظاره صديقه كامل الشناوى وتوفيق الحكيم ومصطفى أمين وآخرين، فى هذه الجلسة تحدثوا عن فيلم ممنوع الحب، واتهموه بأنه لا يحسن اختيار قصص أفلامه وبطلاته باستثناء ليلى مراد، واقترح عليه كامل الشناوى أن يأخذ مسرحية توفيق الحكيم رصاصة فى القلب التى كتبها للمسرح ليحولها إلى فيلم سينمائى (..) وتوزعت جلسات الفيلم بين شقة محمد عبد الوهاب وشقة فكرى باشا أباظة، فى البرج الثانى من عمارة الإيموبيليا.. كانت راقية إبراهيم وهى صديقة لليلى مراد تردد على العمارة لزيارتها، وفيما بعد ليعلمها محمد كريم أسس التمثيل فى شقة محمد عبد الوهاب، الذى سبق أقنعه نجيب الريحانى أن يترك شقته فى العباسية ليسكن الإيموبيليا فى الدور الثالث، “بما يعنى إن القنابل لو سقطت على العمارة فستهدم الأدوار العليا ولن يصل الهدم إلى الطابق الثالث”.. فاقتنع عبد الوهاب وخاصة إنه سوف يسكن بجوار نجيب الريحانى وليلى مراد بطلة أفلامه.
أما الفيلم الثاني، هو “غزل البنات” وهو آخر فيلم يمثله نجيب الريحاني .مات الريحانى قبل أن يُعرض الفيلم. وقصته جاءت بـ”مصادفة غريبة جدا”.. ذات ليلة كان نجيب الريحانى عائدا عند منتصف الليل إلى منزله قادما من مسرحه بشارع عماد الدين، وفى نفس التوقيت كانت ليلى مراد قادمة من الاستوديو، حيث تصور بعض المشاهد الليلة لفيلم عنبر. والتقى الاثنان مصادفة فى المصعد، سألته ليلى: هل من مساعدة استطيع تقديمها لك يا أستاذ نجيب؟، فقال لها : نفسى يا ست ليلى أمثل معاكى فيلم قبل ما أموت وردت ليلى بدهشة: بتتكلم جد يا أستاذ نجيب. فقال: أيوه فعلا يا ليلى يا بنتي.. يا ريت.
دعت ليلى مراد نجيب الريحانى إلى شقتها، وأيقظت أنور وجدى من النوم -وجدى كان مخرج فيلم عنبر الذى كانت تصور ليلى مشاهده- ورد أنور وجدى بأن الفيلم جاهز والسيناريو مكتوب. قرأ نجيب الريحانى السيناريو، وفى اليوم التالي، قال لوجدى إن القصة جيدة لكن لابد من تغييرها وإعادة كتابة السيناريو وإضافة شخصيات جديدة.
الراوى “عم عوض” تذكر موقف له مع “أم كلثوم”، التى لم تكن من سكان الإيموبيليا، بل كانت تتردد على العمارة “لعلاج عينيها عند الدكتور إبراهيم عبود الذى أجرى لها أكثر من عملية”.. ذات يوم ركبت أم كلثوم المصعد وصعد بها “عوض” إلى الدكتور التاسع عند الدكتور عبود. وكانت معها سكرتيرتها، فأشارت إليها أن تعطى عم عوض البواب شلنا، أى خمسة قروش أيام حرب 1956 فرفض، ونظر لأم كلثوم وقال لها: خلى الفلوس للسكرتيرة علشان تشترى بيها نص فرخة تاكلها علشان هفتانة.
وغضبت أم كلثوم واشتكت للطبيب إبراهيم عبود، الذى استدعى البواب ووجه له لوما شديدا لكن عم عوض رد بقوله: أنا لم أطلب بقشيشا ولم يشك منى أحد طوال عشر سنوات وأنا قلت للسكرتيرة خلى الخمس قروش معاكى وروحى اشترى بها مصاصة ولا نص فرخة. ليه تغضب الست أم كلثوم، ثم قال:يا سعادة البيه الست نيللى بنت فؤاد بيه سراج الدين بتعطى كل واحد فينا بقشيش خمسين قرشا وأحيانا جنيها كاملا، مش خمس قروش!
استند محمود معروف فى كتابه “عمارة الإيموبيليا” إلى رواية “صديق الفنانين والسياسيين محمد إبراهيم صاحب محل النظارات الشهير بشارع شريف”، فحكى واقعة كان بطلها “صديقه” فريد شوقي، قال:”ذهب فريد شوقى إلى الايموبيليا حسب موعد مع أنور وجدي، وعند باب المصعد شاهد مجموعة من الصعايدة يرتدون الجلابيب ويتشاجرون مع محمود المليجى أحد سكان الايموبيليا -لم يذكر سبب شجارهم مع المليجي- فما كان من فريد شوقى ببنيانه القوى إلا أن أوسعهم ضربا، وهنا ثار الصعايدة وأخرج أحدهم من طيات ملابسه مدفعا رشاشا، وكاد يفرغه فى فريد شوقى لولا تجمع البوابون وبعض السكان وجاءت الشرطة، وجلسوا فى غرفة فى مدخل العمارة، ثم تبين إن كبيرهم الذى صفعه فريد شوقى دون أن يعرفه هو عدلى باشا لملوم واحد من أغنى أغنياء الصعيد (..) ولهذا فإن الصفعة لم تكن لعدلى باشا، وإنما لكل الصعايدة الذين أصروا على الثأر.. استغرقت هذه القضية خمس جلسات عرفية فى محاولة للصلح، ووافق عدلى لملوم على الصفح لكن الصعايدة الذين حضروا الجلسة الأخيرة رفضوا وصمموا على أن يُصفع فريد شوقى قلما على وجهه ردا لشرفهم، وأمام إصرارهم تقدم لملوم ووضع يده على خد فريد شوقى ثم قبله واحتضنه وانتهت الجلسة”..
121 تعليقات