
نعود إلى ثلاثينيات القرن الماضى عندما باع المسيو بيير دى فيتاس وزير فرنسا المفوض، إلى «الشركة العقارية العمومية بمصر-إيموبيليا- ش.م.م» السراى الفخمة، مقر السفارة الفرنسية، والمطلة على شارعى قصر النيل وشريف باشا «المدابغ آنذاك»، بعد أن ظلت مقرًا للسفارة منذ 31 ديسمبر 1886 وحتى 26 يناير 1937 أى نحو 50 عامًا، وكانت على الطراز الإسلامي، ثم سوى المبنى بالأرض لبناء أول ناطحة سحاب فى مصر، والتى حولت تلك المنطقة غير المأهولة، والتى كانت مكانا للمدابغ القديمة إلى ضاحية جديدة وسط القاهرة الخديوية.
ولبناء العمارة، أعلنت «الشركة العقارية العمومية بمصر-إيموبيليا» عن مسابقة لبناء مبان سكنية مكان دار السفارة الفرنسية سابقًا، وشارك فيها 25 مهندسًا، حيث جاءت شروط المسابقة أن يتضمن مخطط البناء، بدروما سفليا، بدروم علوى لاستعمال المحلات، وطابق أرضى لاستعمال المكاتب، وتسع طبقات للسكنى، وشقق أو فيلات بأدوار تعلوها غرف عليا، وأيضًا مغاسل ومرافق على الأسطح، على أن تشمل العمارة جميع وسائل الراحة والرفاهية من أدوات صحية ومصاعد سريعة وأنابيب مياه ساخنة وباردة، والكهرباء، وتوزيع خفى لأسلاك التليفونات، ومسار واحد لجميع آلات الراديو وما إلى ذلك، وروافع ومصاعد للخدم وسلم للبضائع، وأنابيب للتخلص من القمامة وغيرها، على أن يتم وضع مشروع لجهاز تكييف الهواء وجهاز للتسخين المركزي.

في 10 يونية 1937 اجتمعت لجنة التحكيم التى تكونت من عبد الحميد باشا سليمان وزير الأشغال العمومية سابقًا ووزير المالية آنذاك، ومصطفى بك فهمى مدير عام مصلحة المبانى سابقًا ومدير مصلحة التنظيم حينها، والمسيو بول البر كبير مهندسى شركة قناة السويس، بالتعاون مع إسماعيل باشا صدقى بصفته رئيسا للشركة، والبارون لويس دى بنوا نائب الرئيس، ورينيه قطاوى بك مدير المشروع، والمسيو جول أرنو مراسل، والمهندس عزيز صدقى سكرتيرًا، والمسيو أدولف ريش سكرتيرًا مساعدًا، حيث تلقت اللجنة 13 مشروعًا ومُنحت الجائزة الأولى لمشروع المهندسين المعماريين ماكس أدرعى وجاستون روسي، ووافقت الشركة على تنفيذ مشروعهم ومنحهم حق الإدارة والإشراف على الأعمال.
بُنيت الإيموبيليا على الأوتاد «الخوازيق» لتتحمل تلك الارتفاعات التى لم تكن تعرفها القاهرة بعد، حيث بلغ عمق بعض الأوتاد حوالبي 16 مترًا تحت مستوى الشارع، وضم المبنى بدرون سفلى وبه الجراج، وبدرون علوى وبه المخازن، وطابق صغير متوسط، وطابق أرضى به مكاتب، و10 طوابق متصلة ببعضها، و3 طوابق على السطح وبه غرف الغسيل هذا عن الجناح الجنوبي، أما الشمالى فأصبح 9 طوابق متصلة وطابقان على السطح.

بُنى الجراج تحت سطح الأرض بثلاثة أمتار كأول جراج عرفته القاهرة على مساحة 2200 متراً مكعبًا تقريبًا، ويتسع لـ 120 سيارة، وكان فى وسع المستأجرين بالعقار أن يصلوا إليه بالسلم أو المصعد، فضلًا عن أن كل الشقق متصلة بتليفون خاص وفى وسع المستأجر أن يعطى تعليماته إلى المشرف على المبنى، وكان الجراج يستخدم وقت الحرب كملجأ ضد الغارات الجوية.
بلغ عدد المحال 38 محلا أعلى الجراج، وتتكون من ثلاث طبقات بدروم سفلى وجاليرى علوى والدور الأرضي، وكانت جميع واجهات المحال مكسوة بالرخام المراكشى الأسود، والأبواب الشبكية المعدنية.
ويكسو رواق المدخل الرخام والبهو يشبه المعابد البابلية، وهناك حجرتان، الحجرة اليسرى للبواب واليمين حجرة التليفون الخاصة، ثم المساعد والسلالم على اليمين واليسار، وعند نهاية الصالة والبهو بطاريتان ذات 3 مصاعد لكل منهما.
أما الطوابق الوسطى من العقار فهى مخفية فى الجناحين البحرى والقبلي، وتبلغ حوالى عشرين مكتبًا، بالإضافة لبعض المخازن التى يمكن للتجار استخدامها، أما الطابق الأرضى فلا يحتوى إلا على المكاتب ولا يوجد أى مطبخ أو حمام فى هذا الطابق، وعدد الغرف المستعملة كمكاتب 282 وحدة، ويصل إليها نور الشمس من نوافذ زجاجية كبيرة، ولمستأجرى هذا الطابق عدة غرف صغيرة «بوفيه» وعدة مرافق صحية، وجميع المكاتب ستدفأ شتاءا..

ثم تأتى الطوابق العليا المليئة بعدد كبير من غرف الإيجار، فهناك عشر طوابق فى العمارة القبلية و9 فى البحرية، وفى كل طابق 23 شقة وتكون فى مجموعها 218 شقة، وفى الطابق الواحد لكلتا العمارتين ست شقق تتكون من غرفتين، وخمسًا من ثلاث غرف، وستًا من أربع، وخمسًا من خمس وواحدة من ست، وجميع الشقق التى تتكون من حجرتين تحتوى على رواق صغير ثم بهو إلى الحجرات، وفى الشقق المكونة من أكثر من ثلاث حجرات أقيم حاجز ظاهر بين الجزء الخاص بالاستقبالات والجزء الخاص السكني، والأرض مكسوة بخشب البلوط، والمرافق والأروقة كُسيت الأرض بالبلاط، وهناك باب ذو مصراعين يدور على قضيب معدنى بين قاعة الطعام والصالون، وفى غرف النوم مخازن للملابس، وفى كل مكان مكبرات الضوء.
وغرف الاستحمام بها حوض للاستحمام وحوض للاستعمال، وخزان للمياه الحارة والباردة وصيدلية صغيرة، وفى كثير من الشقق مخزنًا صغيرًا لأدوات الزينة، ولا أثر للمواسير على الجدران، وفى المطابخ واسعة الأرجاء وبها رف رخامى وبالوعة ومخزن وخزانة يمكن للخدم الاستفادة منه، وعند ممر سلم الخدم توجد صناديق القمامة ومصعدًا لهم، وكان يمكن للمستأجر الاتصال بالبواب.

وفى الغرف العالية أو الشقق الفخمة فهناك تسع شقق فخمة تتكون من 4 أو 5 أو 6 أو 7 غرف مزودة بكثير من قاعات الاستحمام، وبها سائر ما تمتاز به الغرف العادية، فضلًا عن الشرفات الفخمة التى تبلغ حوالى مائة وخمسين مترًا مربعًا، وكانت تتميز تلك الشقق بأنها مقسمة إلى قسمين الجزء الخاص بالصيف فيها مسقوف والجزء الخاص بالشتاء مفتوح تشرف عليه السماء، وكل نافذة من غرف النوم تشرف على منظر القلعة، فإذا ما نقل المرء بصره نحو الغرب شاهد النيل والجيزة وأهرامها، ونحو الجنوب شاهد بوضوح أهرام سقارة وقبة كنيسة مارى جرجس وأعمدة لاسلكى المعادى وما ورائها من مداخن مصنع أسمنت طره، أما نحو الشرق فيسرى مصر الجديدة، ونحو الشمال روض الفرج وشبرا، وإذا نظرا عموديًا نحو شارع قصر النيل فالسيارات ستبدو لعبًا.
وفى الطابق الأخير لكلتا العمارتين أعدت أربعون غرفه للغسيل، متصل كل منها بسطح أو شرفة خاصة بأدوات التجفيف حتى لا يختلط أى غسيل بغسيل الجيران.
57 تعليقات