ملفات
مطابع وسط البلد التاريخية.. التاريخ برائحة الحبر والورق
في هذا الملف تستعرض "منطقتي" تاريخ عددا من أقدم المطابع في وسط البلد باعتبارها كيانات أثرت الحياة الثقافية في مصر

كان تأثير دخول المطبعة إلى مصر، أقوى ربما من تأثير دخول الكهرباء فيما بعد. المطبعة كانت تبشيرا بعصر جديد، تزيد فيه المعرفة وتسهل أساليب التعليم بل والتواصل من خلال الصحافة التي لولا المطبعة ما كانت لتعرفها البلاد..
ومصر أقدم الدول العربية التي عرفت الطباعة، وفيها أنشئت أقدم المطابع وأعرقها زمنا وكيفا، ولأن وسط البلد كانت حاضرة البلاد مع بداية عصر التحديث، فإن أهم هذه المطابع تواجدت في المنطقة، من بولاق أبو العلا وحتى قلعة صلاح الدين.
ولا تزال العديد من المطابع الكلاسيكية متواجدة في القاهرة الخديوية وتحافظ على طابعها مع بعض التحديث لمواكبة التقدم في هذه الصناعة الأقدم.. ومع مشروعات تطوير القاهرة الخديوية، لابد أن تكون المطابع القديمة جزءا من هذه المشروعات إذا أردنا الحفاظ على الطابع التراثي لوسط البلد، وهو ما أشار إليه بالفعل مشروع تطوير منطقة البورصة بداية من شارع الشريفين، وخلال وضع جهاز التنسيق الحضاري خطة تطوير شارع الشريفين وتحويله إلى منطقة للفنون على أن تغير المحلات في الشارع من نشاطها ليتماشى مع الطبيعة الجديدة للشارع، ومن بين المحلات القديمة في شارع الشريفين “مطبعة الشريفين” فأوصى المشروع آن تحاكي مطبعة “الشريفين” مطبعة بولاق التي أنشأها محمد علي باشا، فتصبح بذلك مطبعة وجاليري يعرض تطور فنون الطباعة..
في هذا الملف تستعرض “منطقتي” تاريخ عددا من أقدم المطابع في وسط البلد باعتبارها كيانات أثرت الحياة الثقافية في مصر.
مطبعة بولاق
تعد أول مطبعة في منطقة وسط البلد، أنشأها محمد علي باشا والي مصر عام 1820 في بولاق أبو العلا بالقرب من كورنيش النيل، بهدف إثراء الحياة الثقافية من خلال طبع الكتب المدرسية وترجمة وطباعة الكتب الأجنبية. كما زودها بماكينات الطباعة وافتتحت رسميا عام 1821.

في أكتوبر 1862م قدم الخديوي سعيد باشا المطبعة هدية إلى عبد الرحمن بك رشدي، ثم اشتراها الخديوي إسماعيل باشا وضمها إلى أملاك الدائرة السنية، ثم عادت ملكا للدولة عام 1880م في عهد الخديوي توفيق.

عام 1952 وبعد قيام ثورة يوليو صدر قرارا جمهوريا بإنشاء الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية وإلحاقها بوزارة الصناعة، وعلى إثر هذا القرار أغلق مقر مطبعة بولاق القديمة، وتقرر إقامة مبنى جديد للمطابع في منطقة إمبابة على مساحة قدرها 35000 متر مربع تقريبا، وتم تزويدها بأحدث ماكينات الطباعة المتطورة حتى يتهيأ لها كل أسباب النهوض برسالتها.
أما ماكينات مطبعة بولاق القديمة فقد أودعت للعرض في متحف تاريخ الطباعة بمكتبة الإسكندرية.
أهم إصدارات مطبعة بولاق
- قاموس عربي_ إيطالي صدر عام 1822.
- الوقائع المصرية.
- الجريدة الرسمية للدولة، وتصدر كل خميس.
- التقاويم، والمصحف الشريف.
ديسمبر ١٨٨٢ تاريخ اصدار أول مطبوعة لمطابع بولاق وهي قاموس إيطالي عربي
التسميات المختلفة لمطبعة بولاق
- دار الطباعة.
- مطبعة صاحب السعادة.
- المطبعة الأميرية.
- مطبعة بولاق.
“فوسجيدار”.. مطبعة الجالية الأرمينية

تشبه المتحف الصغير في احتفاظها بكل ماكينة قديمة بل وبكل حرف كُتبت به ذكريات الجالية الأرمينية في مصر. إنها مطبعة “فوسجيدار” الموجودة في شارع زكريا أحمد الذي يتوسط ممر الألفي بالتوفيقية في وسط البلد.
عام 1914 فكر الأرميني “يرفانت موسيرليان” وشريكه “أرميناج مانجيان” في إنشاء مطبعة تخدم الجالية الأرمينية في مصر، وبالفعل قاما بتجميع حروف الطباعة، واختارا شارع محمد علي ليكون مقر المطبعة الجديدة، وفي عام 1915 أصدرا أول مجلة أسبوعية كاريكاتورية للجالية الأرمينية.
بعد نحو 3 سنوات انتقل مقر المطبعة إلى الفجالة، وفي عام 1923 إلى شارع عماد الدين، وعام 1930 إلى شارع جلال، وعاد الشريكان مرة أخرى عام 1931 إلى شارع عماد الدين، واستقرا في النهاية في المقر الحالي 33 شارع زكريا أحمد.
وفي عام 1966 بيعت المطبعة للأرميني “نوراير دولتيان” وشريكه “ترزليان”، إلا أنهما انفصلا وأصبحت المطبعة ملكا لدولتيان وحده، والذي فضل الاحتفاظ بالإسم الأول للمطبعة (فوسجيدار) دون تغييره.

حرص “دولتيان” على تزويد المطبعة بماكينات جديدة، وزودها بالحروف الإنجليزية والفرنسية والعربية والأرمينية. كما خصصها في طباعة برامج حفلات الأرمن، وكتيبات خاصة بالمناسبات والأعياد الأرمينية، أبرزها طباعة الأناشيد الخاصة بالألعاب الأوليمبية عام 1965، واستمرت المطبعة في خدمة الجالية حتى وفاة “دولتيان” عام 2015.
تقول جاسيا دولتيان المسئول الحالي عن المطبعة لـ “منطقتي”: “بعد أن أتممت دراستي في كلية الإقتصاد والعلوم السياسية عام 1984 عملت في مطبعة والدي وتشربت منه الصنعة، وبعد وفاته قررت إكمال المسيرة، حتى إنني حافظت على الماكينات اليدوية حتى اللحظة”.

وتضيف جاسيا: “حاليا توسعت في الطباعة لغير الأرمينيين، ومن أبرز المتعاقدين مع المطبعة معظم السفارات في مصر، ومعامل كايرو لاب، ومطعم الباشا بوسط البلد، وبعض الشركات الشهيرة، ويعمل بالمطبعة حاليا 7 عاملين”.
ماكينات “فوسجيدار”

وتتابع جاسيا: “توجد بالمطبعة نحو 4 ماكينات تكمل بعضها البعض، حيث تمر طباعة الأوراق بعدة مراحل، تبدأ أولا بتجميع الحروف (وهي موجودة في أدراج خاصة لكل لغة) لتكوين الكلمات المراد طبعها، وبعد تجهيز فورمة الحروف تبدأ المرحلة الثانية، وهي وضع الفورمة في ماكينة الطبع، ثم وضع الأوراق في مكانها المخصص على الماكينة، وتشغيلها. المرحلة التالية هي قص الأوراق على ماكينة القص، ثم نقله لتدبيسه في ماكينة التدبيس، ليخرج في شكله المطلوب.
هناك أيضا ماكينة مخصصة لطباعة الكروت ذات الأحرف البارزة، حيث يوضع الكارت بعد طبعه بالطريقة المعتادة، في بودرة خاصة، ثم يتم تمريره داخل ماكينة خاصة بحفر الحروف على درجة حرارة معينة حسب سمك الورقة”.

أما عن صيانة الماكينات، تقول جاسيا: “من الصعب في الوقت الحالي إيجاد قطع غيار للماكينات اليدوية، فهي لم تعد مستخدمة، حتى العمال الحاليين ليس لهم بديل، فالجيل الجديد غير مهتم بتعلم الشغل على الماكينات اليدوية القديمة”.
مطبعة يونيفرسال

عام 1968 أنشأ الحاج سيد سليم مطبعة يونيفرسال بمنطقة باب اللوق بالقرب من مطعم رضا الشهير، حيث جلب العديد من الماكينات اليدوية وبدأ التعاقد مع العديد من الشركات الكبرى في وسط البلد، وعقب وفاته تولى ابنه سيد سليم إدارة المطبعة بعد تخرجه من كلية التجارة الخارجية.

يقول سيد سليم: “عاصرت الشغل بالماكينات القديمة حتى تحولنا إلى طباعة الأوفست وبعدها الطباعة بنظام الCTP، ولكن هناك فارق دائما بين الشغل اليدوي والحديث وهو فرق الروح، فكل ماكينة قديمة كان يديرها عامل مختص، أما الطباعة الحديثة لا تحتاج إلى عدد كبير من العمال”. ويضيف: “نستخدم في المطبعة 3 ماكينات حديثة، ولا زلنا حتى اللحظة نحتفظ بماكينة قديمة نستخدمها في كتابة ال Serial Number للمستندات المختلفة، وما يميز المطبعة هو استخدام الخامات من النباتات الطبيعية الآمنة تماما على الصحة “.

تتخصص مطبعة يونيفرسال في المطبوعات التجارية، ومن أشهر المتعاقدين مع المطبعة كل من شركة الإسماعيلية للاستثمار والتطوير العقاري، وبنك CİB، والبنك العربي الإفريقي الدولي.
مطبعة الشريفين

مطبعة الشريفين، أنشأها الحاج حسن حافظ حوالي عام 1958، وهي تعد واحدة من أقدم المطابع في منطقة وسط البلد، وتقع في شارع الشريفين في مواجهة مبنى البورصة المصرية.
يحكي الحاج جمال مصطفى أقدم العاملين بالمطبعة: “كانت المطبعة في بدايتها تعتمد على الطباعة بالماكينات اليدوية القديمة وفكرتها تبدأ بتجميع الحروف (حيث كانت هناك مسابك خاصة لعمل الحروف مقرها في أرض شريف والفجالة، وكان صندوق الحروف يتكون من نحو 360 عين، وكانت وظيفة جمع الحروف تشبه حاليا وظيفة ال Designer).

ويتابع: “معظم الماكينات القديمة تم “تكهينها” ووضعت في المخازن وتحولت المطبعة حوالي عام 1992 إلى العمل بالماكينات الحديثة (الأوفست)، التي يختلف نظام العمل فيها كليا عن الماكينات اليدوية، حيث نشتري رزمة الأوراق بمقاسات مختلفة (70* 100)، (60*84)، (50* 35) على حسب المقاسات المطلوبة، وتباع رزمة الأوراق في شارع الدسوقي بالعتبة، وتحتوي أقل رزمة على عدد 50 ورقة يصل سعرها حاليا إلى نحو 500 جنيه. لكل مقاس من الأوراق ماكينة خاصة، وفي البداية يتم طباعة الشغل المراد طبعه على (كلكة) تشبه ورق الزبدة، وبعد ذلك يتم تصويرها على (الزنكات) ويتم إعطاؤه ضوء قوي حتى يظهر الكلام عليها، ثم توضع الزنكات في مادة تشبه البطاس “الزهرة”، بعدها يتم وضع الزنكة في الماكينة لطبع الكلام على الأوراق”.

ويضيف الحاج جمال: “من أبرز المتعاقدين مع المطبعة بنك القاهرة، وبنك الاتحاد الوطني، والبنك العربي الإفريقي، وتبدأ مواعيد العمل من التاسعة صباحا حتى الخامسة مساء”.
مطبعة عامر
مطبعة الشريفين ليست المطبعة الوحيدة في منطقة البورصة، ففي بداية ممر الشريفين من ناحية شارع صبري أبو علم توجد “مطبعة عامر”، تختفي لافتتها خلف فروع الأشجار، تلك المطبعة أغلقها الحي منذ أكثر من 25 عاما لمخالفتها نشاط الترخيص، فحولها أصحابها إلى مكتبة، ولكنها أغلقت مرة أخرى منذ ثورة يناير وحتى هذه اللحظة.