فنون

حديقة سعاد عبد الرسول الافتراضية.. كيف لا ينبت الورد فينا؟

"حديقة افتراضية"مقام في قاعة "مشربية" بوسط البلد في الفترة ما بين 13 يناير و14 فبراير 2019

في معرضها المقام  في قاعة “مشربية” بوسط البلد في الفترة ما بين 13 يناير و14  فبراير 2019، تأخذنا الفنانة سعاد عبد الرسول في جولة وسط ما أسمته بالحديقة الافتراضية وهو المعرض الفردي الرابع لها في مسيرتها الإبداعية.

تخرجت سعاد عبد الرسول من كلية فنون جميلة المنيا ١٩٩٨ وأكملت دراستها في تاريخ الفن الحديث وحصلت علي الماچيستير ٢٠٠٥ ثم الدكتوراه في ٢٠١٢.

يشكِّـل معرض “حديقة افتراضية” تطورا في أسلوبها الفني رغم اعتماده على كثير من مفردات عالمها الفني. حيث تواجه ألما مؤطرا في وجوه شاخصة تُـطل على الجمهور من براويز أنيقة، ونساء ورجال يزهرون هم وقلوبهم فتدرك أنها ليست لوحات بقدر كونها قطعا فنية أو هكذا يحدس الرائي. مبعث هذا الاعتقاد هو الأُطُـر التي تحتوي اللوحات. فما بين البانوهات والبارافانات والبراويز وأُطر المرايا؛ فضلا عن أطر المنمنمات، حيث تُقدم عبد الرسول معرضها اللافت وبشكل يُـحفِّـز على التفكير.

تستدعي سعاد أناقة الأثاث الذي نلقاه في الصالونات ولكن بمضامين صادمة وأحاسيس مقتنصة لا تتناسب وفق خبراتنا البصرية مع رفاهة تلك الأمكنة والحِـس المخملي المستدعى من خلالها.

تتجلى مشاعر الوحدة في شخوص المعرض، لكنها وحدة مألوفة ربما عاينها المرء منا. القلوب والأيادي والوجوه تتواشج مع الطبيعة ومفرداتها وبخاصة النباتات والزهور.

في لوحاتها تنبت الزهور من أفواه الأشخاص بل ويمكن أن يدخنوها أيضا! تنتشر امتدادات البراعم كأيكةٍ صغيرة على الوجوه تُـسـيِّـج الأشخاص أو تربط بينهم وربما توقعهم في الأسر.

في لوحتها “المرأة والزهرة” يثير العنوان فينا أحاسيس الجمال والرومانسية لكن الأمر سيختلف حين نرى زهرة الصبار وفرعها النابت الذي لا يخلو من شوك سيتضاعف بدوره في لوحة “الألم” وقد أحكمت المرأة قبضتها على نبات الصبار فأوشكت يديها على الإدماء. وتطل زهرة الصبار أكبر هذه المرة في سخرية أوضح من اللوحة السابقة.. فهل يشكل الجمال عزاءً للألم. أم أنه صنوه هو الآخـر؟

استخدمت عبد الرسول وحدتي بارفان كإطاري لوحتين يمكن أن يشكلا معا متتالية بشكل مـا. “الرجل الزائف” و”رجل الفراء” بأناقتهما المفرطة وتعاليهما الواضح، لذا لا غرابة حين تؤطرهما في ضلفتي بارافان تلك الوحدة المستخدمة في الفصل والإبعاد.

ستجد امرأة تصرخ في إحدى اللوحات “أريد بعض الراحة” وقد التف فرع النبات الرقيق حولها من أخمص قدميها وحتى عنقها كحبل رقيق جدير بنعومة المرأة.

في لوحتها “انظر لقلبك مرتين” ستجد القلب وقد أينع كرمة صغيرة بأعنابها أو استحال لشجرة من الورود البيضاء على امرأة مزهرة كما في لوحة “قلبي”.

ربما كانت هذه المفارقات ذات الحس الساخر الدفين هي روح معرض “حديقة افتراضية” لسعاد عبد الرسول.

من لوحات معرض حديقة افتراضية

سألت سعاد عبد الرسول: “حديقة افتراضية” عنوان معرضك الأخير بعد عنوان “متحف الألم.”. ما سبب تغيير الاسم؟

سبب تغيير اسم المعرض من المتحف إلي “حديقة افتراضية” أنني منذ أكثر من عام زرتُ متحف “أورسي” في باريس بعد عدة زيارات، لكن في هذه المرة تحديدا لم أكن معنية كالمرات السابقة بالتقنية واللون والتكوين، حيث تجاوز اهتمامي تلك الأمور إلى الشخوص المرسومة بكل الفخر المسرحي والملابس والإضاءة ووضع الأشخاص. فكرتُ في هذه الشخصيات. ماذا بعد أن تهبط من علي المسرح؟ ماذا بعد أن تخلع عنها ملابسها شديدة التكلف وتنسحب من الضوء للظل، فتعود أكثر إنسانية غارقة في أحلامها وألمها وخيباتها وهشاشتها؟

لذا فقد رسمتنا. أو رسمتُ الأصل فينا.. الضعف والرقة والأحلام المجهضة وغيرت العنوان من المتحف إلى “حديقة افتراضية”. والتي لا تختلف كثيرا في تفسيري لها عن “متحف الألم” الاسم السابق للمعرض حيث يٌـفترض أنها حديقة، إلا أنها ليست تلك الحديقة المبهجة لكنها حديقة من القيود.

سألتها: الحب. الألم. الوحدة. التيه.. وغيرها من مفردات نجدها في عناوين لوحاتك، ونجد لها أصداءً في أعمالك السابقة.. لماذا هذه المفردات في عالمك الفني؟

أسماء اللوحات هي عنوان موازي لمضمون العمل. فانا في لوحاتي أكشف عن القيود الاجتماعية الناعمة التي نقبلها ونباركها، فالأمومة والزواج والحب والصداقة كلها قيود محببة لنا، ولكنها تظل في الأخير قيودا، وأنا لم أرسم القيود بشكلٍ مباشر، ولكني رسمتها نباتات تشبه النباتات المتسلقة الرقيقة ولكنها في المحصلة النهائية خانقة.

* أعضاء بشرية ونباتات وعلاقات عضوية تجمع بينهما.. ما أوجه المقاربة والتشابه بينهم؟

بخصوص المفردات الجمالية والتي يعتبر النبات فيها عنصر أساسي.. ففي اعتقادي أن الإنسان يحمل في طياته النبات والحيوان والمعادن. وأن كل شيء حوله يوجد بداخله جزء منه. لذ فقد تسللت إلى لوحاتي.

* تسخرين من الزيف الاجتماعي في معرضك الأخير. كيف تطور هذا الحس النقدي لديك مقارنة بأعمالك السابقة؟

لم تكن سخرية مقصودة من الادعاء والزيف، ولكنها الدهشة كيف للإنسان أن يعيش بكل هذا التكلف والسؤال كان مادمنا من تراب كيف لا ينبت الورد فينا.

في افتتاح معرض حديقة افتراضية
الوسوم
إغلاق
إغلاق